الإعلانات

التواصل الاجتماعي

حق الجار

  • April 8, 2020

 

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:

فمن الحقوق العظيمة حق الجار؛ الجار له حقوق ومما يدل على عظم حق الجار هذه النصوص العظيمة لاسيما أن الله عز وجل قرن حق الجار بحقه جل وعلا، وهذا يدل على عظم حق الجار قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت إيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً)، هذه الآية تُسمى بآية الحقوق العشرة فحق الجار من هذه الحقوق العشرة، وقد عظمت الوصية بحق الجار حتى ظن النبي صلى الله عليه وسلم أن الجار سيرث من جاره، كما جاء في الصحيحين من حديث بن عمر رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه).

وإيذاء الجار أمر محرم وهو من الكبائر، وفي إيذاء الجار دليل واضح على ضعف الإيمان ونقص الإيمان وقلته، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين واللفظ للبخاري من حديث أبي هريرة قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره)، فلا يجوز إيذاء الجار هذا أمر محرم لا يجوز إيذاء أي أحد من المسلمين، لكن في حق الجار أعظم قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة: (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله، قال: من لا يأمن جاره بوائقه)، وفي لفظ مسلم قال: (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه وبوائقه)، يعني شره وغوائله، جاء رجل إلى النبي صلى الله عيله وسلم كما عند أحمد من حديث أبي هريرة فقال: يا رسول الله إن فلانة يُذكر من كثر صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في النار، وفي رواية لا خير فيها هي من النار؛ قد يخسر العبد أعماله من جراء إيذاء الجار فالحذر، وروى الحافظ أبو بكر البزار حديثاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: جاري يؤذيني، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له: أخرج متاعك فضعه على الطريق، فأخذ الرجل متاعه فطرحه على الطريق، وكلما مر عليه مار يقول له: مالك، يقول: جاري يؤذيني، فجعل الناس يلعنونه اللهم العنه اللهم اخزه هكذا، والجار يسمع أن الناس يلعنونه، فذهب إلى جاره يقول له: ارجع إلى منزلك والله لا أؤذيك أبداً، وعند البيهقي أن هذا الجار الذي آذى جاره أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقيت من الناس، قال: وما لقيت، قال: يلعنوني، قال عليه الصلاة والسلام: فقد لعنك الله عز وجل قبل الناس، وفي رواية إن لعنة الله قبل لعنته، فالحذر من إيذاء الجار، يقول ثوبان رضي الله عنه: (ما من جار يظلم جاره ويقهره حتى يحمله ذلك على أن يخرج من منزله إلا هلك)، فالحذر من إيذاء الجار، وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يجري في يوم القيامة كما عند أحمد من حديث عقبة قال صلى الله عليه وسلم: (أول خصمين يوم القيامة جاران).

فالحذر من إيذاء الجار، فلا يجوز إيذاء أي مسلم، لكن في حق الجار يعظم الإثم وتعظم السيئة جاء عند أحمد من حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه عن الزنا، قالوا: حرام حرمه الله ورسوله، قال: لأن يزني الرجل بعشرة نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره _ الله أكبر _  ثم سألهم عن السرقة قالوا: حرام حرمه الله ورسوله، قال: لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من بيت جاره، هكذا كما بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث بن مسعود لما سأل أي الذنب أعظم، قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قلت: ثم أي قال: أن تقتل ولدك مخافةً أن يطعم معك، قلت: ثم أي، قال: أن تزاني حليلة جارك، فالذنب قد يعظم إذا كان في حق الجار.

فعلى العبد المسلم أن يحسن إلى جاره وأن يحسن خلقه مع جاره، ذكر بن المبارك حسن الخلق بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى تكف أذاك عن جارك، بل بيَّن الحسن البصري قال: ليس حسن الجوار كف الأذى وبذل المعروف حسن الجوار الصبر على الأذى، يعني إذا آذاك الجار فلا تقابله بالأذية، وإنما تصبر فهذا يدل على قوة الإيمان وأحسن إلى جارك وتلطف معه وابتسم في وجهه وسلم عليه واسأل عن حاله وحال أولاده ووالديه وهكذا، قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)، وفي لفظ مسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره)، وقال كما عن أحمد من حديث أبي هريرة (وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا) _ الله أكبر _، بل بيَّن عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث أنس (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وفي رواية (حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه)، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر بأن يتعاهد جاره، قال: (يا أبا ذر إذا طبخت مرقةً فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك )كما عند مسلم، وأيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم للنساء: (يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة جارتها ولو فرسن شاة)، يعني ولو ظلفة شاة _ الله أكبر _، فالشاهد أن الجار لابد أن نهتم به لاسيما إذا كان فقيراً كان جائعاً تقول عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري إن لي جارين فإلى أيهما أُهدي، قال النبي صلى الله عليه وسلم لها: إلى أقربهما منك باباً، وأيضاً ثبت عند أحمد من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: (خير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره)، أما الإنسان الذي لا يسأل عن جاره وهو يعلم أنه فقير أنه محتاج أنه جائع هذا ما يجوز قال صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه) كما عند البيهقي من حديث الزبير، وأيضاً قال صلى الله عليه وسلم: (ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم) كما عند الطبراني والبزار من حديث أنس، وأيضاً قال صلى الله عليه وسلم: (وكم من جار متعلق بجاره يقول يا رب سل هذا لما أغلق عني بابه ومنعني فضله).

كان السلف عندهم الجار أحب من الدرهم والدينار وأولى من الدرهم والدينار، لكن تغير هذا فصار الناس يحبون الدرهم والدينار ويهملون الجار يقول ابن عمر: (لقد أتى علينا زمان أو قال حينٌ وما أحد أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم، ثم الآن الدينار والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه المسلم سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: وكم من جار متعلق بجاره يوم القيامة يقول يا رب هذا أغلق بابه عني ومنع معروفه) فالحذر فالحذر من منع الجار حقه هذا من حق الجار قال مجاهد: كنت عند عبدالله بن عمر وغلامه يسلخ شاةً، فقال: يا غلام إذا فرغت يعني من سلخ الشاة إذا فرغت فابدأ بجارنا اليهودي، فقال رجل من القوم: اليهودي أصلحك الله، قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بالجار، وقال: مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه، نسأل الله عز وجل أيها الإخوة أن يوفقنا إلى أداء الحقوق والإحسان إلى الجار، بارك الله فيكم وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين.