الإعلانات

التواصل الاجتماعي

هدي النبي ﷺ عند الإبتلاء والمصيبة

  • April 8, 2020

 

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فالله عز وجل خلق الخلق ليبتليهم كما قال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً)، لاسيما المؤمن فالله عز وجل يبتليه ليتمحص ويعلم هل هو صابر أم لا، قال تعالى: (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين)، وكلما كان إيمانك قوياً زاد بلاؤك واشتد بلاؤك كلٌ بقدر دينه وإيمانه، ولهذا فالأنبياء هم أشد الناس بلاءً ثم الأمثل فالأمثل، فالله عز وجل يحب أن يرفع عباده المؤمنين في الدرجات العلى، يحب أن يكفر عنهم من سيئاتهم فيبتليهم.

فالبلاء للعبد المؤمن دلالة على محبة الله عز وجل له، لكن إذا صبر وكلما اشتد البلاء وعظم البلاء زاد الأجر وعظم الأجر (وإن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإذا أحب الله قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط)، لكن بشرط أن ترضى، فالله عز وجل يحبك إذا ابتلاك وهكذا، أيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافيه به يوم القيامة)، فالعبد يؤجر على كل صغيرة وكبيرة، لكن إذا احتسب العبد الأجر عند الله حتى الأمر اليسير يؤجر، فالله عز وجل يكفر عنه من سيئاته جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله من خطاياه)، وأيضاً جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما هو من حديث أبي هريرة: (لا يزال البلاء بالمؤمن أو المؤمنة في نفسه وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة)، لكن إذا صبر واحتسب فأجره عظيم عند الله عز وجل قال تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)، وقال تعالى: (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)، فالأجر عظيم عند الله عز وجل.

فالله عز وجل يجزي العبد الجنة على البلاء كما إذا أخذ بصر عبده، لكنه إذا صبر هذا العبد على فقد بصره جازاه الله عز وجل الجنة كما جاء في البخاري من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه يعني بعينيه ثم صبر عوضته منهما الجنة) الله أكبر.

وهكذا من صبر على مرضه لابد أن يؤجر كما جاء فيمن صبر على مرض الطاعون يكتب له أجر الشهيد الله أكبر أجر الشهيد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والمطعون شهيد المطعون) يعني المصاب بالطاعون، وأيضاً جاء في البخاري وما من عبد يقع في الطاعون فيمكث صابراً في بلده، يبقى في بلده ما يخرج حتى ما ينقل هذا المرض إلى مكان آخر، بل يبقى في بلده صابراً يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كتب له أجر الشهيد، وبشر النبي صلى الله عليه وسلم امرأة بالجنة لأنها صبرت على مرضها وعلى بلائها وعلى صرعها جاء في الصحيحين من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال لعطاء بن أبي رباح: ألا أريك امرأة من أهل الجنة يعني تمشي على وجه الأرض، فقال عطاء: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وأتكشف فادع الله لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله لك أن يعافيك)، فقالت اصبر لأنها تريد الجنة، ثم قالت: إني أتكشف فادع الله ألا أتكشف، فدعا لها النبي صلى الله عليه وسلم هذه المرأة من أهل الجنة، ولهذا لا يجوز لأحد أن يحكم لأحد بجنة أو نار إلا إذا ثبت ذلك في كتاب ربنا أو سنة نبينا صلى الله عليه وسلم الصحيح ما تقول فلان في الجنة وفلان في النار لا، إلا إذا ورد الدليل هذه المرأة شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم.

وأيضاً فيمن فقد أحد من أولاده أو أقربائه وصبر له الجنة جاء في البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة) الله أكبر، لكن لابد أن يصبر وما يتسخط لاسيما عند هذه المصيبة العظيمة جاء في الترمذي من حديث أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي، فيقولون: نعم، فيقول: قبصتم ثمرة فؤاده، فيقولون: نعم، فيقول الله: ماذا قال عبدي، فيقولون: حمدك واسترجعك، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه ببيت الحمد) هكذا من صبر، وأيضاً جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا  يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلت القسم كما بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت امرأة منهن أو اثنان يا رسول الله، قال: أو اثنان) يكونون له حجاباً من النار حتى الصغار.

فلابد للعبد المسلم أن يصبر لاسيما في هذه المصائب عند فقد حبيب وقريب أو ولد ما يتسخط؛ لأن في ذلك اعتراض على ما قدر الله وكتب؛ النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ قال: أنا بريء كما في الصحيحين من حديث أبي موسى (أنا بريء) قال (من الصالقة والحالقة والشاقة) الصالقة يعني التي ترفع صوتها عند المصيب، والحالقة التي تحلق شعرها عند المصيبة، والشاقة التي تشق جيبها عند المصيبة، وقال: (ليس منا من ضرب الخدود)، وفي رواية (لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية) كما في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وأيضا جاء في مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اثنتان في الناس هما بهم كفر)، لكن هذا الكفر ما يخرج العبد من الملة، قال: (الطعن في الأنساب والنياحة على الميت)، وفي حديث آخر في صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري قال عليه الصلاة والسلام: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية _ من خصال الجاهلية _ لا يتركونهن الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة)، وقال: (النائحة إذا لم تتب تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب)، فالعبد عليه أن يصبر عند الابتلاء المصائب؛ لأن هذا في الحقيقة من الإيمان بالله؛ لأن هذا من الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره حلوه ومره، فلابد من الصبر.

الصبر أيها الإخوة على ثلاثة أقسام:

صبر على طاعة الله تصبر على الطاعة.

وصبر عن معصية الله.

وصبر على أقدار الله المؤلمة الصبر عند الابتلاء والمصائب.

والناس على أحوال ومراتب عند الابتلاء:

مرتبة لا تجوز محرمة مرتبة التسخط والجزع والاعتراض على ما قدر الله وكتب، إما بالقلب تجد أن القلب متسخط جزع معترض على قدر الله عز وجل ولو لم يتكلم بكلمة ولو لم يفعل، إن كان القلب ساخطاً معترضاً، فهذه المرتبة لا تجوز مرتبة التسخط ولو بالقلب، وقد يظهر ما في القلب على اللسان بأن يتقول بكلمات سيئة فيها اعتراض على قدر الله يدعو بالويل والثبور يصرخ ويرتفع صوته عند المصيبة كلمات فيها اعتراض على قدر الله عز وجل أو يظهر ما في القلب على الجوارح كما قلنا يلطم خداً أو يشق جيباً أو ينتف شعراً فهذه المرتبة مرتبة محرمة وهي مرتبة لا تجوز.

ومرتبة أخرى المرتبة التي بعدها مرتبة الصبر، وهي مرتبة واجبة لابد أن يصبر يعني يحبس نفسه فما يتكلم بكلمة فيها اعتراض على قدر الله ولا يفعل شيء فيه اعتراض على قدر الله، وإنما يمسك نفسه يحبس نفسه مرتبة واجبة لابد من الصبر.

ومرتبة أعلى من هذه المرتبة مرتبة الرضا _ الله أكبر _ الرضا ترضى، فهذه المرتبة بعض أهل العلم قال أنها واجبة، وبعضهم قال أنها مستحبة، والصحيح من أقوال أهل العلم أنها مستحبة أن ترضى بما قدر الله فينشرح صدرك ويطمئن قلبك ترضى بما كتب الله وقدر.

والمرتبة التي هي أعلى من هذه المرتبة، وهي أعلى المراتب مرتبة الشكر؛ الشكر عند المصيبة نعم الشكر عند المصيبة الرضى وزيادة، وهي مرتبة مستحبة تشكر الله أنك أصبت بهذه المصيبة، وما أصبت بمصيبة كبيرة أعظم من هذه المصيبة؛ هناك من الناس من أصيب بأعظم من مصيبتك، تشكر الله أن هذه المصيبة في أمر من الأمور الدنيوية في المال أو النفس حتى في النفس قد يفقد الإنسان طرف من أطرافه أو عضو من أعضاء هذا أفضل مما أن يُصاب في أمر دينه هذا أفضل في النفس أو المال أو الأهل هذا أفضل من أن تصاب بمصيبة في دينك هذا أمر عظيم أن تفتتن في أمر دينك، وتشكر الله عز وجل أنه ابتلاك في الدنيا هذا أفضل من العذاب يوم القيامة كما قلنا الحديث (إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافيه به يوم القيامة).

الشاهد أيها الإخوة أن المصائب إذا صبر العبد عليها، وكان ملتزماً بشرع الله عز وجل فهذا دليل على محبة الله عز وجل له، ودليل على إيمانه وقوة إيمانه، أما العبد الذي لا يلتزم شرع الله وقد أصيب بمصائب وابتلاء فهذه المصائب والابتلاءات عقوبة من الله عز وجل عليه عقوبة عليه كما قال تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) إذاً ننظر في حال العبد إن كان على شرع الله عز وجل مستقيماً وصبر عند البلاء فلنعلم أن الله عز وجل أراد أن يرفع من درجة هذا العبد، وأن الله عز وجل يحب هذا العبد فابتلاه حتى يكفر من سيئاته، أما إذا كان الإنسان لا يصلي كان بعيداً عن الله فابتلي بعض البلاء فهذه الابتلاءات عقوبة بسبب ذنوبه، فنسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الصابرين؛ لأن الله عز وجل يحب الصابرين.

بارك الله فيكم وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين.