إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فيقول الله تعالى في كتابه العزيز: (بل تؤثرون الدنيا والآخرة خير وأبقى)، ويقول: (ما عندكم ينفد وما عند الله باق)، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من أحب دنياه أضر بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنيا، فآثروا ما يبقى على ما يفنى).
فالدنيا عباد الله لا تساوي عند الله تعالى جناح بعوضة، كما بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء)، فهذه الدنيا بالنسبة للآخرة لا شيء كالقطرة في البحر، كما بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم، أي في البحر، فلينظر بما يرجع) أتدرون بما يرجع؟! يرجع بقطرة، فهذه هي الدنيا بالنسبة للآخرة.
مر النبي صلى الله عليه وسلم على شاة ميتة قد ألقاها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه على أهلها)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للضحاك يا ضحاك ما طعامك قال: اللحم واللبن يا رسول الله، قال: فإن الله تعالى ضرب ما يخرج من ابن آدم مثلا للدنيا، وفي حديث آخر قال: (إن مطعم ابن آدم جعل مثلا للدنيا وإن قزحه وملحه فانظر إلى ما يصير)، فهذه الدنيا لا تساوي شيئا عند الله عز وجل فآثروا ما يبقى على ما يفنى كما بين النبي صلى الله عليه وسلم.
والدنيا والآخرة هي كالمعادلة فاذا رغبت في الدنيا زهدت في الآخرة وإذا رغبت في الآخرة زهدت في الدنيا، كما قال عون بن عبد الله الدنيا والآخرة ككفتي الميزان فاذا ترجح إحداهما تخف الأخرى، وقال حسن البصري من أحب الدنيا وسرته خرج حب الآخرة من قلبه.
فنسأل سبحانه وتعالى أن يوفقنا إلى الطاعة والعبادة يا رب العالمين، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم:
فعلى العبد أن يجتهد في الطاعة والعبادة، ولا ينسى دنياه يأخذ بأسباب العمل والنجاح والتفوق، لكن لا يجعل همه الأكبر الدنيا فيقدم الدنيا على الآخرة ينسى العبادة وينسى الطاعة وينسى الآخرة كما بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم من كانت الدنيا همه فرق الله شمله وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له، ومن جعل الآخرة همه جمع الله شمله وجعل في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة وفي رواية وهي صاغرة.
فعلى العبد أن يجتهد في الطاعة والعبادة؛ عليه أن يحافظ على هذه الصلوات الخمس وبكل ما أمر الله عز وجل؛ عليه أن يجتنب ما نهى الله عز وجل وحرم.
فعلى العبد أن يستحضر وأن يقرأ سير السلف فقد ضربوا أروع الأمثلة في الاجتهاد في طاعة الله عز وجل، يقول أبو مسلم الخولاني: لو قيل لي إن جهنم تسعر ما استطعت أن أزيد في عملي، لو قيل لمنصور بن زادان إن ملك الموت على الباب ما كان عنده زيادة في العمل، لو قيل لصفوان بن سليم غداً القيامة ما كان عنده مزيد مما هو عليه من العبادة. فلهذا عباد الله علم ان نتأسى بسلفنا الصالح، وأن نجتهد في الطاعة والعبادة نسأله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ذلك يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا الشيخ خليفة ونائبه وولي عهده والشيخ الدكتور سلطان القاسمي وسائر حكام الإمارات، وارحم الشيخ زايد والشيخ مكتوم وإخوانهما شيوخ الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمتك، اللهم احفظ الإمارات من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأدم عليها وعلى سائر بلاد الإسلام والأمن والأمان يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم.
9 ربيع الأول 1443 ه الموافق 19/10/2021
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ يعقوب البنا - حفظه الله
ﺑﺮﻣﺠﺔ: ﻓﺎﺋﻖ ﻧﺴﻴﻢ