الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن في كتاب الله عز وجل آية تُسمى عند العلماء بآية الحقوق العشرة ذكر الله عز وجل فيها عشرة حقوق، وبدأ ربنا جل وعلا بأهم الحقوق فبدأ بحقه جل وعلا وثنى وقرن بحق الوالدين ثم الأقرباء واليتامى والمساكين ولجار وأيضاً حق الصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت إيمانكم؛ قد يقول القائل إذاً أين حق النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأقول إن حق النبي صلى الله عليه وسلم متضمن في حق الله عز وجل، قال تعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) هذا أول الحقوق وأهم الحقوق، فحق النبي صلى الله عليه وسلم متضمن في حقه جل وعلا إذ لا عبادة إلا بسنة، فالعبادة لابد لها من إخلاص ومن اتباع لابد من موافقة سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فالنبي صلى الله عليه وسلم أكمل الله به الدين فالدين كامل ولله الحمد، فنحن لا نحتاج إلى أن يأتي أحد فيحدث في دين الله عز وجل ويزيد فيه، فالدين كامل أكمل الله بهذا الدين النبي عليه الصلاة والسلام، فأكمل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدين قال تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) فالنبي عليه الصلاة والسلام بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأئمة وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فما من شيء يقربنا إلى الله جل وعلا وإلى جنته إلا والنبي صلى الله عليه وسلم يدلنا عليه ويأمرنا به ويحثنا عليه، وما من شيء يبعدنا عن ربنا وعن جنته ويقربنا من النار إلا والنبي صلى الله عليه وسلم ينهانا عنه ويحذرنا منه، يقول أبو ذر تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علماً، قيل لسلمان قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة، قال: أجل وذكر سلمان شيئاً من آداب قضاء الحاجة، فالدين ولله الحمد كامل، والسبيل إلى الله وإلى جنته هو سبيل النبي عليه الصلاة والسلام، عن طريق النبي عليه الصلاة والسلام الذي أرسله الله عز وجل ليبين هذا الدين، ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: ومن فارق الدليل ظل سواء السبيل قال ولا دليل إلى الله وإلى جنته سوى الكتاب والسنة، قال وكل طريق يقول لم يصحبها الدليل دليل القرآن والسنة فهي طرق الجحيم والشيطان الرجيم، البعض يقول الطرق إلى الله وإلى جنته بعدد أنفاس البشر هذا باطل، وإنما الطريق واحد هو طريق النبي عليه الصلاة والسلام، ولهذا من خالف سنة النبي عليه الصلاة والسلام يذاد عن الحوض ويتبرأ النبي عليه الصلاة والسلام عنه يوم القيامة جاء في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قال: ألا إنه سيجاء برجال من أمُتي فيؤخذ بهم ذات الشمال يعني جهة النار يُذادون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي أصحابي فيُقال أي للنبي صلى الله عليه وسلم إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فيقول سحقاً سحقاً، فالشاهد أن الخير وكل الخير في اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والشر بل وكل الشر في ترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال القائل: وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف، النبي عليه الصلاة والسلام يكرر في كل خطبة يقول: (خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها) جاء في الحديث العرباض بن سارية رضي الله عنه كما عند أحمد وأبي داوود والترمذي أنه عليه الصلاة والسلام قال: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم _ انظر كيف التحذير _ ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وزاد النسائي وكل ضلالة في النار).
إذاً من أتى بالبدع والمحدثات والمضلات وخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم فعمله مردود في وجهه، وهذه العبادة ما تقبل عند الله عز وجل ولهذا جاء في الصحيحين من حديث عائشة أنه عليه الصلاة والسلام قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وفي رواية مسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فلا تغتر أنك تتعبد إلى الله العبادة بما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام لا بالهوى ولا بالذوق ولا برأي فلان وفلان، وإنما بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا يقول ابن عمر (كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة) البعض يجلس بعد الصلاة يرفع يديه يدعو، ما فعل النبي عليه الصلاة والسلام ولا نقل عن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أنهم بعد الصلاة يرفع يديه ويدعو، وإنما بعد الصلاة يُسبح ثلاثاً وثلاثين ويحمد ثلاثاً وثلاثين ويكبر ثلاثاً وثلاثين ويختم بلا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وتقرأ آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين، فلابد من اتباع هدي النبي عليه الصلاة والسلام يقول ابن ماجشون سمعت مالكاً يقول: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة، يعني كتم هذا الذي أتيت به زعم أن محمداً خان الرسالة؛ لأن الله عز وجل يقول اليوم أكملت لكم دينكم ما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا.
فينبغي للمسلم أن يتبع سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يحدث في دين الله عز وجل تبقى على السنة قبل أن تتعبد لله عز وجل عبادة تسأل هل فعل ذلك النبي عليه الصلاة والسلام، هل أمر؟ هل ورد في هذا حديث؟ تسأل ولهذا يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (اتبعوا ولا تبدعوا فقد كُفيتم عليكم بالأمر العتيق الأول) يعني بما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام وعمل به الصحابة رضوان الله عليهم، يقول ابن مسعود: (إنا نتبع ولا نبتدع ونقتدي ولا نبتدي ولن نضل ما تمسكنا بالأثر)، يقول رضي الله عنه: (اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة) تبقى على ما ثبت عندك عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا أفضل من أن تأتي بكذا وكذا وكذا وأنت ما تعرف هل هذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو لا؟! ولهذا يقول الحسن: (عمل قليل في السنة خير من عمل كثير في بدعة) تبقى على ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام، يقول الفضيل: (الزم طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين) قد تكون غريباً من بين الناس؛ لأنك متمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين) هكذا ينبغي المسلم أن يتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، يقول الزهري: (كان علمائنا يقولون الاعتصام بالسنة نجاة) تنجو لما تتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا أقول دائماً لمن فقط يحفظ القرآن نقول احفظ القرآن واقرأ القرآن وتدبر كتاب الله وافهم واعمل، لكن اقرن مع ذلك بتعلم العلم ودراسة سنة النبي عليه الصلاة والسلام، الخوارج يقرؤون القرآن قمة في قراءة القرآن تحقرون قراءتكم إلى قراءتهم، لكن لا يجاوز قراءتهم حناجرهم كما بين النبي صلى الله عليه وسلم، يأخذون بظواهر النصوص.
فلهذا التمسك بالسنة نجاة، يقول الإمام مالك: (السنة سفينة نوح من أخذ بها نجا ومن خالفها هلك)، فعلينا أن نتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في كل صغيرة وكبيرة، يقول أبو عثمان النيسابوري: (من أمر السنة على نفسه فعلاً وقولاً نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه فعلاً وقولاً نطق بالبدعة) فدائماً تؤمر على نفسك الكتاب والسنة وفعل السلف ما تمشي وراء الأهواء، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (الأمر بالسنة والنهي عن البدعة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر)، وهذا من أفضل الأعمال الصالحة أن تتمسك بالسنة وتأمر الناس بالسنة، وأن تبتعد عن البدعة وتنهى وتحذر الناس بالبدعة، يقول بعض السلف: (ليس الشأن أن تعبد الله بما تحب إنما الشأن أن تعبد الله بما يحب) الله أكبر هكذا لا بالهوى لا بالذوق لا بالعقل ولا برأي فلان وفلان، وإنما بالنصوص بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قالوا: (إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، وإذا ورد الأثر بطل النظر) ما تقدم العقول على النصوص وآراء الرجال على نصوص الكتاب والسنة، وإنما تقول سمعنا وأطعنا تنقاد لكلام الله وكلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال عمر رضي الله عنه: (إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنة أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فأضلوا وأضلوا).
فالشاهد أننا نقدم كلام الله وكلام النبي عليه الصلاة والسلام على كل كلام، ونفهم الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، يقول حذيفة: (كل عبادة لم يتعبدها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلا تعبدها)، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (من كان مستناً فليستنا بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأئمة وأبرها قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً قوم اختارهم الله لصحبة نبييه صلى الله عليه وسلم ولإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم على آثارهم وتمسكوا بما استطعتم من أخلاق وسيرهم فإنهم على الهدي المستقيم)، تسير على كتاب الله وسنة النبي عليه الصلاة والسلام وما جاء به الصحابة ومن بعدهم من التابعين وأتباع التابعين ومن مشى على دربهم إلى يومنا هذا، قال تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان)، وقال تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً).
الشاهد أننا نتبع الكتاب والسنة وما جاء به السلف الصحابة ومن بعدهم ومن مشى في دربهم إلى يومنا هذا، هكذا يقول سعيد ابن جبير: (ما لم يعرفه البدريون فليس من الدين) الله أكبر ما لم يعرفه البدريون فليس من الدين هكذا تتبع أقوال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يقول الأوزاعي: (اصبر نفسك على السنة وقف حيث وقف القوم _ يعني أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام _ وقل بما قال وكف عن ما كفو واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم) هكذا وقال: (عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس) قد يرفضوك وينبذوك لكن لا عليك منهم تمسك أطلق اللحية قصر الثوب تمسك وحافظ على الصلوات الخمس طبق السنة السواك لا عليك من قول فلان وفلان (عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوا لك القول) احذر علماء السوء والضلالة ودعاة الفتنة، الرويبضة يتكلم في آخر الزمان الرجل التافه يتكلم في أمر العامة، والعلم يُقبض بقبض العلماء حتى إذا لم يبق ربنا جل وعلا عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسُئلوا فأفتوا بغير علمٍ فأضلوا وأضلوا، ما نتبع علماء الذين يتبعون أهوائهم ويُفتون بما يرضي الناس يتلونون لا؛ نتبع الراسخين في العلم ما يتلونون تجد أن هذا الكلام منذ سنين وهو ثابت على كلامه ما يغير كلامه من أجل إرضاء الناس في كل يوم يقول شيء لا؛ نعم العالم إذا تبين له الحق يرجع ويغير فتواه؛ لأنه قد عرف أن الحق في كذا وكذا نعم، أما أولئك فإنهم يتبعون الهوى إرضاء الناس، فالشاهد أننا نكون مع الأكابر كما قال عليه الصلاة والسلام: (البركة مع أكابركم)، وقال لا يزال الناس بخير، كما قال ابن مسعود: (ما أخذوا العلم عن أكابرهم وأمنائهم وعلمائهم فإن أخذوا من صغارهم وشرارهم هلكوا).
أيضاً أيها الأخوة من حق النبي صلى الله عليه وسلم أن نطيعه الأول كان في الشبهات، أما الآن في فتنة الشهوات تزعم أنك تحب النبي عليه الصلاة والسلام وتدعي ذلك لابد من اتباعه وإلا كان هذا الادعاء ادعاء باطل وكاذب لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيعٌ، حب النبي عليه الصلاة والسلام يقوي الإيمان من العبادة والطاعة، ومن أجل القربات إلى الله جاء في الصحيحين من حديث أنس (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)، وأيضاً قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان _ وأول ما ذكر عليه الصلاة والسلام كما هو في الصحيحين من حديث أنس _ أن يكون الله ورسوله أحب إليه من ما سواهما)، إذا كنت صادقاً في محبة الله ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم فعليك باتباع النبي عليه الصلاة والسلام وعليك أن تمتثل أوامر النبي عليه الصلاة والسلام، وتجتنب ما نهى النبي عليه الصلاة والسلام تجتنب المحرمات تجتنب الغناء تجتنب كذا وكذا مما حرم ربنا جل وعلا وحرمه النبي عليه الصلاة والسلام.
آيات كثيرة في كتاب الله (وأطيعوا الله والرسول لعلكم تُرحمون) وأيضاً قال ربنا جل وعلا: (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب)، وأيضاً قال الله عز وجل: (فليحذر الذين يخالفون عن أمري أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) فالشاهد أننا لو كنا صادقين لو صدقنا في قولنا أننا نحب النبي عليه الصلاة والسلام لأطعناه وامتثلنا الأوامر واجتنبنا النواهي، أما مجرد ادعاء من غير اتباع ولا طاعة فهذا ادعاء كاذب وزعم كاذب.
فنسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن يحب النبي عليه الصلاة والسلام، ويطيع النبي عليه الصلاة والسلام، ويتبع النبي عليه الصلاة والسلام، ويدور مع سنته حيث دارت.
بارك الله فيكم وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين.
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ يعقوب البنا - حفظه الله
ﺑﺮﻣﺠﺔ: ﻓﺎﺋﻖ ﻧﺴﻴﻢ