الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن الله عز وجل أكمل ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدين قال الله عز وجل: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت الإسلام ديناً)، فالنبي عليه الصلاة والسلام بَيَّنَ هذا الدين فما ترك شيء يقربنا إلى الله عز وجل إلا وأمرنا به وأرشدنا إليه، وما ترك عليه الصلاة والسلام شيء يبعدنا عن ربنا إلا ونهانا عنه وحذرنا منه، ولهذا قال أبو ذر رضي الله عنه: (تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يطير بجناحيه إلا وهو يذكرنا من علماً)، وقيل لسلمان قد علمكم نبيكم كل شيء حتى القراءة قال أجل وذكر شيئاً من آداب قضاء الحاجة، فالرسول عليه الصلاة والسلام علمنا وأدبنا حتى في حياتنا وفي عاداتنا حتى في طعامنا وشرابنا، كيف نأكل؟! وكيف نشرب؟! فهديه النبي صلى الله عليه وسلم في طعامه وشرابه موجود في السنة عمر بن سلمة ربيب النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين كانت يده تطيش في الصحفة يأكل من هنا ويأكل من هنا فقال عليه الصلاة والسلام: (يا غلام)، هكذا يتلطف عليه الصلاة والسلام مع هذا الغلام كما تلطف مع ولد عمه ابن عباس قال: (يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك حفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، وعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرونك بشيء لم يضرونك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف)، يتلطف مع هذا الغلام يقول: (يا غلام)، والله عز وجل ذكر هذا الأسلوب في القرآن عن لقمان كيف وعظ ولده قال: (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) قال له: (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وأنه على المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور)، هكذا يتلطف مع ولده يا بني يا بني أسلوب في الدعوة أسلوب في النصيحة أسلوب عظيم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أيضاً ربنا جلا وعلا ذكر عن إبراهيم الخليل عليه السلام لما دعا أباه إلى الإسلام والتوحيد وإلى لا إله إلا الله (يا أبت) يقول له: (يا أبت لما تعبد ما لم يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراط سوياً يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصياً يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً)، وهنا عليه الصلاة والسلام يقول: (يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك) آداب عظيمة في هذا الحديث وفي هذا التوجيه النبوي سم الله إذا أكلت طعاماً فسميت الله عز وجل، التسمية يعني بسم الله قبل أن تأكل فإن الشيطان لا يشاركك في هذا الطعام، الشيطان يشارك الإنسان، فإذا ذكرت الله لا يشاركك في هذا الطعام روى الإمام مسلم من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل الرجل بيته فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت ولم يذكر الله عند طعامه، قال الشيطان: أدركتم المبيت والعشاء) فالإنسان إذا أرد أن يأكل طعام من الأدب أن يسمي الله وإذا نسي إذا نسيت ثم تذكرت فقل بسم الله في أوله وآخره هذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود وابن ماجه من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل بسم الله، فإن نسي فليقل بسم الله في أوله وآخره)، أما ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يقيء إذا قلت يعني في أثناء الطعام بسم الله في أوله وآخره فهذا حديث ضعيف، وإذا ذكرت اسم الله على الطعام هذا الطعام يكفي، يكفي القوم ورد عند الترمذي وأبي داود عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يأكل طعامه في ستة من أصحابه فجاء عرابي فأكل لقمتين يعني ما ذكر اسم الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما إنه لو سمى كفاه)، فالشاهد أنك تسمي على الطعام.
قال: (سم الله وكل بيمينك)، إذن هذا أدب عظيم أمر من النبي صلى الله عليه وسلم، بل جاء النهي عن الأكل بالشمال كما في صحيح مسلم من حديث جابر قال: (لا تأكلوا بالشمال)، وعلل النبي صلى الله عليه وسلم (فإن الشيطان يأكل بشماله)، فالعبد ما يأكل بالشمال، وإنما يأكل باليمين كما جاء عند ابن ماجه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليأكل أحدكم بيمينه وليشرب بيمينه وليعطي بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويعطي بشماله ويأخذ بشماله)، وروى الإمام مسلم من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله أن رجل جاء عند النبي عليه الصلاة والسلام، فأكل طعام فأكل يعني أكل بشماله، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: كل بيمينك، قال: لا أستطيع من باب الكبر، ولهذا في الحديث فما منعه إلا الكبر وقال النبي صلى الله عليه وسلم لاستطعت فما رفع يده إلى فيه، يعني شلت يده.
فالإنسان يتأدب بهذه الآداب العظيمة (سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك) هذا هو الشاهد لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآداب العظيمة؟! لأنه عليه الصلاة والسلام رأى هذا الغلام وهو عمر بن سلمة ربيب النبي عليه الصلاة والسلام تطيش يده في الصحفة، فقال: (مما يليك مما يليك)، والبركة تنزل في وسط الطعام والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (فكلوا من حافتيه فإن البركة تنزل في وسطه)، يعني في وسط الطعام.
هناك آداب كثير أيها الإخوة بالنسية للمأكل والمشرب الطعام والشراب، يعني إذا سقطت لقمة أحدكم بَيَّنَ عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم من حديث جابر (إذا سقطت من أحدكم لقمة، قال: فليمط ما كان بها من أذى ولا يدعها للشيطان)، تأخذ هذه اللقمة التي سقطت وتزيل الأذى وتأكل هكذا ما تسرف (خذوا زينتكم من عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا أنه لا يحب المسرفين)، وبَيَّنَ عليه الصلاة والسلام الاجتماع على الطعام أنه أفصل من أن يأكل أحدنا على حدى وعلى انفراد البركة مع الجماعة، روى الإمام مسلم من حديث جابر أنه عليه الصلاة والسلام: قال: (طعام الواحد يكفي طعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية)، وهكذا إذا أكلت وسميت الله تحمد الله عز وجل إذا أكلت وفرغت من الطعام جاء في صحيح مسلم من حديث أنس (إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها).
آداب عظيمة أيها الإخوة، من الآداب أنك ما تعيب طعاماً جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة (ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً قط إن اشتهاه أكله وإن كره تركه)، وأيضاً من الآداب العظيمة يعني تأكل على قدر حاجتك ما تملأ بطنك واضح جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه بحسب أبن آدم أكلات يقن صلبه فإن كان لا محال فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه) هكذا ما تسرف أيضاً في الطعام.
أيها الإخوة آداب عظيمة ومن الآداب المهمة، بل من الأمور الواجبة أن الإنسان ينظر في حل هذا الطعام ينظر في كسبه يأكل الطعام الطيب (يا أيها اللذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم)، فالنبي عليه الصلاة والسلام بَيَّنَ أن (كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به)، وقال: (لا يدخل الجنة كل جسد نبت من سحت)، هناك آداب كثيرة أيها الإخوة أيضاً من هذه الآداب أن الإنسان ما ينفخ في الطعام ولا في الشراب.
ونريد أن نذكر الإخوة بهذه الأيام المباركة، أيام مباركة من أعظم الأيام، فالعبادة في هذه الأيام أعظم وأحب إلى الله من بقية الأيام جاء في البخاري من حديث ابن عباس (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام، يعني أيام العشر من ذي الحجة، قالوا: يا رسول الله ولا جهاد في سبيل الله، قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء)، فالإنسان يكثر من الذكر في هذه الأيام لاسيما الذكر (ويذكروا سم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) هذه هي الأيام المعلومات أيام العشر، كان ابن عمر وأبو هريرة يكبران فيكبر أهل السوق بتكبيرهما، كان ابن عمر يكبر بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج من تكبيراً الله أكبر، كان يكبر تلك الأيام وخلف الصلوات وفي فسطاطه وعلى فراشه وفي مجلسه وممشاه تلك أيام جميعاً ، كان سعيد بن جبير يعني إذا دخل الأيام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما كاد يُقدر عليه.
فالشاهد أننا نجتهد في هذه الأيام؛ لأن العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من غيرها من الأيام، فأكثروا من التهليل والتسبيح والتحميد والتكبير.
وأيضاً أيها الإخوة ننبه على صيام يوم عرفة لمن كان في بلده لغير الحجاج، فالحجاج ربنا جلا وعلا يكفر عنهم، يقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم أفيضوا عبادي مغفوراً لكم، ينزل إلى سماء الدنيا يباهي بأهل عرفة أهل السماء يباهي بهم ملائكته، يقول: هؤلاء عبادي جاءوني شعثاً غبراً من كل فج عميق يرجون رحمتي ويخافون عذابي ولم يروني فكيف لو رأوني أشهدكم أن قد غفرت لهم، فأيضاً ربنا جلا وعلا جعل لك نصيباً من هذه المغفرة لمن كان مقيماً في بلده فصم يوم عرفة، والبني صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم من حديث أبي قتادة لما سئل عن صوم يوم عرفة قال احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده.
وأخيراً أيها الإخوة ننوه على مسألة الأضحية، الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام سنة مؤكدة عند الجمهور، وبعض أهل العلم ذهب إلى الوجوب، تخيل إلى الوجوب الأوزاعي والليث وأبو حنيفة وشيخ الإسلام ابن تيمية وعندهم أدلة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من وجد سعة فلم يضحي فلا يقربن مصلانا)، وخطب الناس بعرفة فقال: (يا أيها الناس إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية) والحديث حسن، فالقول بالوجوب قوي، لكن الراجح هو قول الجمهور أن الأضحية سنة مؤكدة لاسيما للقادر ما ينبغي أن يدع الأضحية، كره الإمام أحمد للقادر أن يدع الأضحية وأن يترك الأضحية وكذلك الشافعي رحمه الله.
على كل حال الأضحية تكون من بهمية الأنعام؛ لأن الله عز وجل قال: (ويذكروا اسم الله في أيام المعلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام)، وبهيمة الأنعام الأبل والبقر والغنم يعني الغنم المعز، والضأن يعني الخروف، وهي الأضحية الذبيحة التي تذبح تقرباً إلى الله عز وجل في يوم العيد في العاشر من ذي الحجة ضحى، لماذا سميت هذه الذبيحة بالأضحية؟! لأنها تذبح في وقت الضحى، أيها الإخوة ولها شروط.
أولاً: لابد أن تكون من بهيمة الأنعام.
ثانياً: أن تبلغ السنن المعتبر شرعاً الإبل لابد من إتمام خمس سنين والبقر لابد من إتمام سنتين والمعز سنة والضأن ستة أشهر واضح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن)، إذاً لابد أن تكون من بهيمة الأنعام.
وأن تكون يعني قد بلغت السن المعتبر شرعاً وأن تكون سالمة من العيوب المانعة من الإجزاء وبَيَّنَ عليه الصلاة والسلام بقوله وأشار بيده: (أربع لا تجزئ في الأضاحي العوراء البيِّن عورها والمريضة البيِّن مرضها والعرجاء البيِّن ضلعها والكسيرة، يعني الكبيرة الهزيلة الضعيفة، والكسيرة التي لا تنقي).
وأيضاً لابد أن يكون الذبح في وقت الذبح من بعد صلاة العيد إلى آخر يوم من أيام التشريق، أما من ذبح قبل الصلاة فليس من النسك في شيء إنما هو لحم قدمه لأهله كما بَيَّنَ النبي عليه الصلاة والسلام (ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين) هكذا.
ولك أن تأكل من أضحيتك ولك أن تعطي الفقراء ولك أن تُهدي ولا يلزم الثلث وإنما هذا باب واسع هذا باب واسع أحكام، كثيرة تتعلق بالأضحية لكن على عجالة، نسأل الله عز وجل أيها الإخوة أن يجعلنا يعني من المتقين ممن يذكره في هذه الأيام يا رب بالعالمين، اللهم وفق ولي أمرنا يا رب العالمين واحفظه واحفظ حكامنا يا رب العالمين وانصر جنود الإمارات البواسل في بلاد اليمن وفي أرض اليمن يا رب العالمين، نسأله سبحانه وتعالى ذلك، وبارك الله فيكم وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين.
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ يعقوب البنا - حفظه الله
ﺑﺮﻣﺠﺔ: ﻓﺎﺋﻖ ﻧﺴﻴﻢ