إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار: فالعبد الكيس الفطن الذي يستغل وقته في شيء يقربه إلى الله عز وجل، فكلما مضى يوم من عمر العبد دنا من أجله، كما قال الحسن البصري رحمه الله: (إنما أنت مجموعة أيام كلما مضى يوم مضى بعضك)، فعلى العبد أن يجتهد في طاعة الله عز وجل، فإن النفس إن لم تجعلها في طاعة الله عز وجل، وتشغلها بشيء يقربها إلى الله عز وجل أشغلتك بمعصيته عز وجل، فهذه الدنيا تمضي سريعة وتنقضي، فأيامها قلائل ليست كأيام الآخرة كما قال الله عز وجل: (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون)، وكما قال عن المجرمين وعن حسرتهم (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة)، فالدنيا ساعة فاجعلها يا عبد الله طاعة، فالعبد فيها كالمسافر الذي يقف في مكان وقتا يسيراً ليستريح فيه ثم يمضي إلى مقصوده، وهكذا العبد في هذه الدنيا يبقى فيها وقتا يسيراً ثم ينتقل إلى دار الآخرة؛ نام النبي صلى الله عليه وسلم على حصير ثم قام وقد أثر الحصير في جنبه فقالوا يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاءً، قال: مالي وللدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنكب ابن عمر رضي الله عنهما وقال: (له كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)، فالغريب لابد أن يعود إلى وطنه وعابر السبيل لابد أن يرجع إلى بلده وأهله، وهكذا العبد في هذه الدنيا لابد أن ينتقل من هذه الدار إلى دار الآخرة، لابد أن يرجع إلى ربه للقاء به، فلهذا على العبد أن يستغل الأوقات في طاعة الله عز وجل ولا يسوف فإن التسويف من الشيطان؛ عليك باستغلال الأوقات قبل أن يفجأك الموت، والموت لا يستأذن وإنما يأتي بغتة فحينئذ تندم حيث لا ينفع الندم كما قال الله تعالى: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا أنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون)، وأيضا قال الله تعالى: (وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون).
فعلى العبد أن يستغل وقته في شيء يقربه إلى الله عز وجل؛ عليه أن يحفظ وقته ولا يضيعه لأن كثير من الناس يغفل عن هذا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)، فعلى العبد أن يستغل وقته في شيء يقربه إلى الله عز وجل؛ اغتنم الأوقات في العبادة والطاعة قبل أن تأتيك الصوارف والشواغل قبل أن يأتيك الكبر والهرم قبل أن يأتيك المرض قبل أن يأتيك الموت، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (اغتنم خمسا قبل خمس صحتك قبل سقمك شبابك قبل هرمك غناك قبل فقرك حياتك قبل موتك)، ويقول ابن عمر رضي الله عنهما: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك)، هكذا العبد يستغل الأوقات ولا يضيع هذه الأوقات فيتحسر عليها؛ كان السلف يحفظون أوقاتهم، فعلى العبد أن يحفظ وقته فضلاً أن يضيعه فضلاً أن يجعله فيما حرم الله يقول الحسن البصري رحمه الله: (أدركت أقواما كان أحدهم أشح على عمره من درهمه وديناره) هذا الوقت وهذا العمر ستسأل عنه يوم القيامة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدم عبداً حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيما فعل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه)، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا في طاعته إلى أن نلقاه أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين واشهد أن لا آله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداَ عبده ورسوله صلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: فعلينا باستغلال الأوقات فيما يحب الله عز وجل ويرضاه، فالسلف ضربوا لنا أروع الأمثلة في هذا، فهم كانوا على الطاعة المستمرة؛ سئل نافع مولى ابن عمر ماذا كان يصنع ابن عمر في بيته قال لا تطيقونه الوضوء لكل صلاة والمصحف بينهما، ويقول: أبو مسلم الخولاني رحمه الله: لو قيل لي أن جهنم تسعر ما استطعت أن أزيد في عملي، قال هشيم كان منصور بن زادان: لو قيل له أن ملك الموت على الباب ما كان عنده زيادة في العمل، ويقول عبد الرحمن بن مهدي: لو قيل لحماد بن سلمة غداً تموت ما قدر أن يزيد في عمله شيئا، فعلينا باستغلال الأوقات وإلا سنندم ندما عظيماً على هذه الأوقات، يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما: ندمت على شيء ندمي على يوم غربت فيه شمسه نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي، فالدنيا دار عمل والآخرة دار حساب وجزاء يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما في البخاري: (ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل)، نسأل الله عز وجل أن يوفقنا إلى الأعمال الصالحة إلى أن نلقاه اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا الشيخ خليفة ونائبه وولي عهده والشيخ الدكتور سلطان القاسمي وسائر حكام الإمارات، وارحم الشيخ زايد والشيخ مكتوم وإخوانهما شيوخ الإمارات الذين انتقلوا إليك، اللهم احفظ الإمارات من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأدم عليها وعلى سائر بلاد الإسلام والأمن والأمان يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم.
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ يعقوب البنا - حفظه الله
ﺑﺮﻣﺠﺔ: ﻓﺎﺋﻖ ﻧﺴﻴﻢ