إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فمن المعلوم عداوة الكفار لأهل الإسلام، ولا يخفى ذلك على أحد من المسلمين، فعداوتهم ظاهرة وبينة وكذلك بغضهم، والله عز وجل بَيَّنَ أنهم يتمنون أن نكون مثلهم ويكون المصير واحداً قال تعالى: (ولن نرضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)، وقال تعالى: (وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا)، وقال تعالى: ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء)، وقال تعالى: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق)، وأيضاً قال ربنا جل وعلا: (ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر) لا تغتر بما يظهرون لك من مودة ومحبة ففي باطنهم العداوة والبغض، ثم قال: (ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنَّا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيضكم إن الله عليم بذات الصدور إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرح بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا)، فعداوتهم ظاهرة وبيِّنة ما تخفى على أحد، فما ينبغي لمسلم أن يوالي الكفار المسلم إذا أراد أن يحقق كلمة التوحيد لابد أن يتبرأ من الكفر وأهله ومن الشرك وأهله، هكذا يتحقق الإيمان والتوحيد (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله)، وأيضاً قال الله عز وجل: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)، وقال صلى الله عليه وسلم كما روى مسلم من حديث مالك الأشجعي: (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الل)، لابد من البراءة من الكفر وأهله ومن الشرك وأهله وإلا كان في توحيدك وإيمانك خلل، فإبراهيم خليل الرحمن قال الله عز وجل عنه: (أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآبائكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين)، انظر كيف البراءة، وأيضاً قال الله عز وجل عنه في آية أخرى: (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين)، هكذا قال الله عز وجل عنه وعن قومه: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومن ما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده)، براءة واضحة من الشرك وأهله ومن الكفر وأهله، فلا يجوز لأحد من المسلمين أن يوالي الكفار.
الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان، والله عز وجل يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)، ويقول سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آبائكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان)، يعني لو كان أقرب قريب (ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون وإن كان آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين)، وقال سبحانه وتعالى: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله وباليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كان آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان).
فلابد من البراءة من الشرك وأهله لا أن نشاركهم في أعيادهم الدينية، فالله عز وجل قال عنهم: (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم ) هم كفار، وأيضاً قال الله عز وجل: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) ينسبون الولد إلى الله، وأنت تشارك هؤلاء في أعيادهم الدينية فلا يجوز هذا؛ هذا من الموالاة والمحبة لهم، (وقالوا اتخذوا الرحمن ولداً لقد جئتم شيئاً إداً تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً أن دعوا للرحمن ولداً وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً)، ولهذا جاء في البخاري في الحديث القدسي (كذبني بن آدم وشتمني) وذكر (وأما شتمه إياي أن لي ولد وأنا الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد)، فلا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يوالي الكفار، ولا أن يشاركهم في أعيادهم الدينية، ولا أن يتشبه بهم (من تشبه بقوم فهو منهم)، (والمرء مع من أحب) فلا يجوز، لكن بَيَّنَ عليه الصلاة والسلام أن من هذه الأمة سيكون من يتبع النصارى واليهود حذو القذة بالقذة كما جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد قال صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر ذراعاً بذراع)، وفي بعض الروايات (حذو القذة بالقذة ولو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)، فلا يجوز أن نوالي الكفار وأن نتشبه بهم وأن نداهنهم على حساب ديننا أن نتنازل عن شيء من ديننا من أجلهم، فلا يجوز في حق المسلم أن تتنازل عن شيء من دينك من أجله فضلاً أن يكون كافراً، يعني تجلس مع فلان من المسلمين والصلاة تقام، لا يجوز أن تداهنه وأن تتنازل شيء من دينك من أجل فلان، فكيف إذا كان كافراً (ودوا لو تدهن فيدهنون).
لا يجوز فما نوالي الكفار هذا جانب، والجانب الآخر أيضاً لا نظلم الكفار لا يجوز الظلم حتى في حق الكفار نعطي كل ذي حق حقه هكذا وسط لا يجوز ذلك قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) هكذا، وأيضاً قال سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله) فما يجوز ظلم الكفار ظلم اليهود والنصارى ما يجوز ظلم المشركين، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (الظلم ظلمات) كما في صحيح مسلم من حديث جابر (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة)، وجاء في صحيح مسلم من حديث أبي ذر في الحديث القدسي إن الله عز وجل حرم الظلم على نفسه وجعله بيننا محرماً ونهانا أن نظلم بعضنا بعضاً، قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) لا يجوز أن نظلم أحداً ولو كان كافراً، فمن المعلوم أن دعوة المظلوم مستجابة تصعد كما بَيَّنَ عليه الصلاة والسلام إلى السماء كالشرارة ليس بينها وبين الله حجاب، ويقول الله: (وعزتي وجلالي لأنصرنكِ ولو بعد حين)، جاء في رواية أحمد من حديث أنس (اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً فإنه ليس دونها حجاب)، فالحذر من ظلم الناس، بل المسلم يحسن أخلاقه مع الناس قال تعالى: (وقولوا للناس حسناً)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أحمد والترمذي من حديث أبي ذر: (اتق الله حيث ما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن) هكذا ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً ولا سخاباً في الأسواق، وكان يقول: (خياركم أحاسنكم أخلاقاً)، فينبغي أن نحسن أخلاقنا مع الناس ولو مع الكفار، لابد من حسن الخلق معهم العدل مطلوب الإحسان مطلوب (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) كما جاء في صحيح مسلم من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه مطلوب الإحسان والعدل (إن الله يأمر بالعدل والإحسان)، وقال تعالى: (إن الله يأمركم بأن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) حتى لو مع الكافر، (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى)، تقول الحق ولو على نفسك، تقول الحق ولو على قريب لك، تقول الحق ولا تأخذك في الله لومة لائم، هكذا ينبغي للمسلم أن يحسن خلقه مع الناس ولو كان كافراً.
فيجوز في الحقيقة التعامل مع الكفار نعم لا نواليهم، لكن يجوز التعامل معهم من غير موالاة ولا محبة ولا مودة، ويجوز أن ندعوهم إلى الإسلام إلى الإيمان إلى التوحيد ونبذ الشرك هذا من حقهم، أيضاً لابأس بالهدنة معهم إذا رأى الإمام في ذلك مصلحة أو حاجة لابأس هذا من التعامل معهم إذا ليس للإمام قوة على قتالهم فلا بأس بالهدنة إذا رأى الإمام في ذلك مصلحة خاف من خطرهم وشرهم لابأس بالهدنة والصلح إذا طلبوا منا لابأس (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله) هكذا بَيَّنّ الله عز وجل لابأس الأكل من طعامهم (اليوم أُحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) وطعامكم حل لهم وطعام الذين أوتوا الكتاب، يعني ذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى حل لنا؛ هذا نوع من التعامل مع الكفار، بل يجوز لنا أن نتزوج منهم، يجوز لنا أن نتزوج منهم من أهل الكتاب من اليهود والنصارى، لكن بشرط أن تكون المرأة عفيفة قال تعالى: (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذين أخذان) بشرط أن تكون عفيفة.
فيجوز أيضاً التعامل التجاري من بيع وشراء وإيجار ورهن، والنبي صلى الله عليه وسلم عامل يهود خيبر على أرض يزرعونها، ويجوز أخذ الدين عنهم استدان النبي صلى الله عليه وسلم من اليهودي استدان طعاماً لأهله ورهن عليه الصلاة والسلام درعه مات ودرعه مرهونة عند اليهودي، يجوز التعامل معهم، لكن من غير موالاة، بل لو كان أبوك كافراً أو كانت أمك كافرة فلابد من البر بهما البر بالوالدين ولو كانا كافرين لابد، لكن ما نطع الوالدين في معصية الله في الكفر والشرك والمعصية لا، لكن في الأمور الدنيوية نقوم على شؤونهما حتى لو كانا كافرين قال ربنا جل وعلا بعد أن وصى بالوالدين (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي).
وهكذا إذا كان لك جار كافر له حق أنتم تعلمون أن الجار على ثلاثة أقسام: جار له ثلاثة حقوق، وجار له حقان، وجار له حق واحد، الجار الذي له ثلاثة حقوق الجار القريب، يعني من أهلك وهو مسلم فله حق الجوار وحق القرابة وحق الإسلام، وهناك جار مسلم، لكن ليس من أقربائك فله حق الجوار وحق الإسلام، فهناك جار كافر فله حق الجوار فقط، فيجوز التعامل مع الكفار لكن من غير الموالاة، بل إذا أحسنوا تحسن إليهم النبي صلى الله عليه وسلم زار الغلام اليهودي ودعاه إلى الإسلام فنظر إلى أبيه، فقال: أطع أبا القاسم فأسلم وخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (الحمد لله الذي أنقذه من النار)، فيجوز التعامل مع الكفار، ولا يجوز أن نظلمهم قال صلى الله عليه وسلم: (ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة) كما عند أبي داوود فلا يجوز ظلم الكافر ولا أن نكلفه فوق طاقته فضلاً عن أخذ ماله فضلاً عن الاعتداء على دمه ونفسه فلا يجوز هذا قال صلى الله عليه وسلم كما في البخاري: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين خريفاً)، فلا يجوز أبداً قال ربنا جل وعلا: (أنه من قتل نفس بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) فلا يجوز هذا، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات) أي المهلكات، وذكر (قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق)، وأول ما يقضى يوم القيامة بين الناس في الدماء كما في البخاري من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، وأيضاً (يخرج يوم القيامة عنق من النار يتكلم ويقول إني وكلت اليوم بثلاثة من كل جبار عنيد ومن جعل مع الله إلهً آخر ومن قتل نفس بغير حق فينطوي عليهم فيقذفهم في حمراء جهنم) كما عند أحمد، فالحذر من الاعتداء على الناس ولو كان ذلك كافراً ولو كان كافراً فالحذر من الاعتداء على الناس ولو كان كافراً لا يجوز هذا أمر محرم جاء في البخاري من حديث بن عمر (لا يزال المؤمن في فسحة من دين ما لم يصب دماً حراماً) فالحذر.
فهؤلاء لهم حقوق، فالكفار على أربعة أقسام:
القسم الأول: الذميون الذين يعطون الجزية عن يدٍ وهم صاغرون لهم حق، فلا يجوز الاعتداء على أموالهم ولا على أعراضهم ولا على دمائهم.
وكذلك المعاهدون القسم الثاني: الذي بيننا وبينهم عهد وهدنة فلا يجوز، أيضاً الاعتداء عليهم لا في أموالهم ولا أعراضهم ولا دمائهم.
وكذلك المستأمنون القسم الثالث: الذين جاؤوا إلى بلادنا بأمان فولي الأمر أعطاهم الأمان أعطاهم التأشيرة، فلا يجوز لأحد أن يعتدي عليهم لا في أموالهم ولا أعراضهم ولا دمائهم، حتى لو ذهبت أنت إلى بلادهم فلابد أن تلتزم، ولا يحق لأحد أن يذهب إلى بلادهم أن يعتدي على الكفار هناك فلا يجوز ذلك هذا أمر محرم كما قلنا لم يرح رائحة الجنة من قتل معاهداً.
وأيضاً الحربيون القسم الرابع: نعم الحربيون يكون القتال بين المسلمين وبين الكفار إذا كانوا حربيين، لكن هذا تحت راية ولي الأمر، وبإذن ولي الأمر حتى في الحربيين ما يجوز قتل كبار السن الشيوخ الرجل الكبير الهرم الشيخ الكبير ما يجوز قتله إلا إذا شارك ولو برأيه نعم، وكذلك لا يجوز قتل النساء، وكذلك لا يجوز قتل الأطفال حتى في الحربيين لا يجوز ذلك، فهؤلاء الكفار لا يجوز لنا أن نعتدي على حقوقهم لا على أموالهم ولا على أعراضهم ولا على دمائهم، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن يعطي كل ذي حق حقه، بارك الله فيكم وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم.
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ يعقوب البنا - حفظه الله
ﺑﺮﻣﺠﺔ: ﻓﺎﺋﻖ ﻧﺴﻴﻢ