فضائل العشر من ذي الحجة
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فإن الله عز وجل يفضل ما يشاء على ما يشاء.
فقد فضل الأنبياء والمرسلين على غيرهم من الناس فاختارهم واصطفاهم لرسالته.
وفضل بعض الأمكنة على غيرها من الأمكنة كما فضل مكة والمدينة على غيرهما من الأماكن والبقاع.
وفضل بعض الشهور على غيرها من الشهور كما فضل رمضان على غيره من الشهور.
وفضل بعض الليالي على غيرها كما فضل ليلة القدر على غيرها من الليالي.
وفضل بعض الأيام على غيرها كما فضل أيام العشر من ذي الحجة على غيرها من الأيام.
فالله جلا وعلا {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} له {الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} يفعل ما يشاء وما يريد {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.
فمواسم الخير قد أقبلت فشمروا عن ساعد الاجتهاد، فقد أقسم الله جلا وعلا في كتابه بهذه الأيام فقال {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ} فقد نقل ابن كثير رحمه الله عن ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف والخلف أن المراد الأيام العشر، لكن الصحيح والله أعلم أن المراد بليالي العشر ليالي العشر الأواخر من رمضان كما ذهب إليه المحققون.
أيضاً قد ذهب المحققون من أهل العلم إلى أن أيام العشر من ذي الحجة أفضل من أيام العشر الأواخر من رمضان أي بالنسبة للنهار.
وأما بالنسبة لليالي فليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي العشر من ذي الحجة.
فالنبي ﷺ بيَّن فضل هذه الأيام أيام العشر من ذي الحجة وأن الأعمال فيها أحبُّ إلى الله من غيرها من الأيام.
فقد روى البخاري وغيره عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشَرَةِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ».
وفي رواية الدارمي جاء بلفظ (مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللهِ وَلَا أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي الْعَشْرِ الْأَضْحَى “قِيلَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟،قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ.
وجاء عند البزار والحديث صحيح صححه الألباني في الترغيب أن النبي ﷺ قال (أفضل أيام الدنيا العشر) يعني عشر ذي الحجة
لأن في هذه الأيام تجتمع أمهات العبادات كما قال ابن حجر في الفتح “وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّبَبَ فِي امْتِيَازِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِمَكَانِ اجْتِمَاعِ أُمَّهَاتِ الْعِبَادَةِ فِيهِ وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالْحَجُّ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ” انتهى كلامه رحمه الله.
فمن أجل العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه ذكرُ الله.
كما قال النبي ﷺ «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْر لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْر لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ»؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى»
وقَالَ رجل: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ، قَالَ: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ»
فبذكر الله يترطب لسانك ويطمئن قلبك وينشرح صدرك كما قال الله تعالى {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
فالمرء الذي ذِكرُ الله على لسانه قلبه حي أما الغافل عن ذكر الله فقلبه ميت والعياذ بالله كما جاء في البخاري أن النبي ﷺ قال «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ».
فالذي يذكرُ الله يكون الله معه يوفقه ويسدده يقول الله عز وجل في الحديث القدسي (وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي) والجزاء من جنس العمل فَإِنْ ذَكَرَ اللهَ فِي نَفْسِهِ ذَكَرْه اللهُ فِي نَفْسِه، وَإِنْ ذَكَرَه فِي مَلَإٍ ذَكَرْه اللهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ.
فأكثروا أيها الأخوة في هذه الأيام من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير يقول الله تعالى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} قال ابن عباس حبر هذه الأمة وترجمان القرآن كما في البخاري: “{وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} أَيَّامُ العَشْرِ، وَالأَيَّامُ المَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ” وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ: «يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا».
وجاء أيضاً في صحيح البخاري أن عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كان، «يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ المَسْجِدِ، فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الأَسْوَاقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا»، كَانَ ابْنُ عُمَرَ «يُكَبِّرُ بِمِنى تِلْكَ الأَيَّامَ، وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَعَلَى فِرَاشِهِ وَفِي فُسْطَاطِهِ وَمَجْلِسِهِ، وَمَمْشَاهُ تِلْكَ الأَيَّامَ جَمِيعًا».
وقال أحد راوة حديث ابن عباس كما في رواية الدارمي” وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِذَا دَخَلَ أَيَّامُ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا حَتَّى مَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ “
ويقول مَيمونَ بنِ مِهْرانَ: أدركتُ الناسَ وإنَّهم ليُكبِّرون في العَشر، حتى كنتُ أُشبِّهه بالأمواجِ مِن كثرتِها
وقال يزيد بن أبي زياد رأيت سعيد بن جبير ومجاهد وعبدالرحمن بن أبي ليلى ومن رأينا من فقهاء الناس يقولون في أيام العشر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
قال الطحاوي رحمه الله كان مشايخنا يقولون بذلك أي بالتكبير في أيام العشر.
والتكبير في هذه الأيام العشر على قسمين: مطلق ومقيد.
المطلق من دخول ذي الحجة إلى آخر يوم من أيام التشريق، أما التكبير المقيد فيكون دبر الصلوات المكتوبات ويبدأ التكبير المقيد عند الجمهور من صلاة فجر يوم عرفة إلى عصر اليوم الثالث من أيام التشريق.
فعمل السلف على هذا فمن الصحابة رضي الله عنهم عُمرَ بنِ رَضِيَ اللهُ عنه (كان يُكبِّر دُبرَ صلاةِ الغداةِ من يومِ عَرفةَ إلى صلاةِ العصرِ مِن آخِرِ أيَّامِ التَّشريقِ)
وعن عليٍّ أيضاً رَضِيَ اللهُ عنه: (أنَّه كان يُكبِّرُ من صلاةِ الفجرِ يومَ عَرفةَ، إلى صَلاةِ العَصرِ مِن آخِرِ أيَّامِ التَّشريقِ).
وعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أيضاً: (أنَّه كان يُكبِّرُ من غَداةِ عَرفةَ إلى صَلاةِ العَصرِ من آخِرِ أيَّامِ التَّشريقِ).
يقول الأَسودِ: (كانَ عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ، يُكبِّر من صلاةِ الفَجرِ يومَ عَرفةَ، إلى صلاةِ العصرِ من يوم النَّحرِ؛ يقول: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلَّا الله، واللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، ولله الحمدُ).
هذه صيغة من الصيغ التكبير الثابتة وأيضا صيغة أخرى اللهُ أكبر اللهُ أكبر، لا إلهَ إلَّا الله، واللهُ أكبر اللهُ أكبر، ولله الحَمْد.
جاء في مصنف ابن أبي شيبة أن شَريك، قال: لأبي إسحاقَ: كيف كان يُكبِّر عليٌّ وعبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ؟ قال: ( كانا يقولان: اللهُ أكبر اللهُ أكبر، لا إلهَ إلَّا الله، واللهُ أكبر اللهُ أكبر، ولله الحَمْد)
وأيضاً جاء في مصنف ابن أبي شيبة عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ: (أنَّه كان يُكبِّرُ أيَّامَ التَّشريقِ: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلَّا الله، واللهُ أكبر اللهُ أكبر، ولله الحَمد).
وهناك صيغة أخرى: ” الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد”، والأمر ولله الحمد واسع لأنه لم يرد عن النبي ﷺ في ذلك شيء.
ولهذا يقول ابن حجر في الفتح “وَلَمْ يَثْبُتْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ وَأَصَحُّ مَا وَرَدَ فِيهِ عَنِ الصَّحَابَةِ قَوْلُ علي وابن مَسْعُود إِنَّه من صبح يَوْم عَرَفَة إِلَى آخر أَيَّام منى”، والتكبير المطلق والمقيد لا يكون جماعياً.
أيها الاخوة أكثروا من التكبير والتسبيح والتحميد والتهليل والاستغفار.
ومن أفضل الذكر أن يكثر المرء أيضا من قراءة القرآن قَالَ خَبَّابُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «تَقَرَّبْ إِلَى اللَّهِ مَا اسْتَطَعْتَ فَإِنَّكَ لَنْ تَقْتَرِبَ إِلَى اللَّهِ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ»، فإذا قرأت حرفاً من كتاب الله فلك به حسنة والحسنة تتضاعف إلى عشر حسنات كما قال النبي ﷺ لَا أَقُولُ ألم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌK ويُقَالُ – لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ -: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا كما قال النبي ﷺ.
أيضا علينا أن نحافظ أيها الأخوة على الصلوات المكتوبات نؤديها حيث ينادى بهن يعني في المساجد مع الجماعة، نحرص على أن ندرك تكبيرة الإحرام والصف الأول والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كُتب له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق، وقال عن الصف الأول (لو يعلم الناس ما في النداء يعني في الأذان والصف الأول ثم لم يجد إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه) يعني إن لم يجدوا إلا أن يقترعوا عليه لاقترعوا.
على المسلم أيها الاخوة إذا فرغ من صلاته المكتوبة أن يستغفر ثلاثاً وأن يسبح ويحمد ويكبر ثلاثاً وثلاثين ويختم تمام المئة بقوله لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
ويقرأ آية الكرسي فمن قرأ آية الكرسي بعد الصلاة المكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ويقرأ أيضاً بعد الصلاة المكتوبة سورة الإخلاص والمعوذتين.
هكذا يتقرب العبد إلى الله تعالى بالنوافل والمستحبات بعد أداء الفرائض، فمن حافظ على سنن الرواتب بنى الله بيتاً في الجنة كما جاء عند مسلم من حديث أم حبيبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من عبد يصلي لله كل يوم ثنتي عشر ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة) زاد الترمذي (أربعاً قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الغداة) يعني قبل صلاة الفجر.
قال النبي صلى الله عليه وسلم عن هاتين الركعتين كما جاء عند مسلم من حديث عائشة ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها، وتقول عائشة رضي الله عنها كما جاء في الصحيحين لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد منه تعاهداً على ركعتي الفجر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يترك هاتين الركعتين في حضر ولا سفر، فأكثروا من نوافل الصلاة في هذه الأيام فإنها أيامٌ مباركة.
سأل ربيعة بن كعب النبي صلى الله عليه وسلم مرافقته في الجنة أتدرون ماذا قال له
فقال: (أعني على نفسك بكثرة السجود)، فكلما ركعت وسجدت تساقطت ذنوبك كما بيَّن النبي ﷺ.
أيضاً عليكم بصلاة الضحى، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (يا ابن آدم أركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخر)، صلاة الضحى هي (صلاة الأوابين) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يحافظ صلاة الضحى إلا أواب).
عليكم بقيام الليل فأفضل صلاة بعد المكتوبة صلاة الليل، كما روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
والصدقة أيضاً أيها الأخوة من العبادات الجليلة التي يتقرب بها العبد إلى ربه لاسيما في مثل هذه الأيام، (وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ) كما أخبر النبي ﷺ (وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ) أي برهانٌ على صدق إيمان المتصدق، والعبد في ظل صدقته يوم القيامة، (وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ) كما بيَّن النبي ﷺ، وصاحبُ صدقةِ السر من السبعة الذين يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ. يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ، (والصَّدَقَةُ لَتُطْفِئُ عَنْ أَهْلِهَا حَرَّ الْقُبُورِ) كما بيَّن النبي ﷺ.
فلا تظن أيها المتصدق أن مالك سينقص إذا تصدقت يقول النبي ﷺ (ما نقص مال عبد من صدقة) وفي حديث آخر (ثَلاثٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنْ كُنْتُ لَحَالِفًا عَلَيْهِنّ) وذكر من هذه الثلاث (لَا يَنْقُصُ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ فَتَصَدَّقُوا)
فالذي يتصدق يُبارك له في ماله فنمو ماله ويكثر يقول الله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} ويقول الله عز وجل في الحديث القدسي: (أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ)
وقال النبي ﷺ (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا).
ومن الأمور التي تخفى كثير من الناس أنها من القربات حسن الخلق.
فالمؤمن يصل بحسن خلقه إلى درجة صائم النهار قائم الليل كما قال النبي ﷺ «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» ف(أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (ومَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ).
فصاحب الأخلاق الحسنة من أحب الناس إلى النبي ﷺ وأقربهم منه مجلساً يوم القيامة كما أخبر النبي ﷺ فلهذا عليك أيها المسلم بطلاقة الوجه والابتسامة والكلمة الطيبة فإنها صدقة.
من الأعمال العظيمة الصيام فقد كان النبي ﷺ يصوم تِسْعَ ذي الحِجةِ وفي لفظ كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم العشر أي ما عدا يومَ العاشر يعني تسعة أيام وهذا من باب التغليب لأن يوم العاشر منهي عن صيامه لأنه يوم عيد ويوم أكل وشرب.
قال الحافظ في الفتح “وَلَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا الْعَشْرَ قَطُّ” قال الحافظ “لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ كَانَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ”.
وقال النووي في شرح مسلم “(بَابُ صَوْمِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ) فِيهِ قَوْلُ عَائِشَةَ (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ) وَفِي رِوَايَةٍ لَمْ يَصُمِ الْعَشْرَ قَالَ الْعُلَمَاءُ هذا الحديث” يقول النووي “قال العلماء هذا الحديث مما يوهم كراهة صوم العشر وَالْمُرَادُ بِالْعَشْرِ هُنَا الْأَيَّامُ التِّسْعَةُ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ قَالُوا وَهَذَا مِمَّا يُتَأَوَّلُ فَلَيْسَ فِي صَوْمِ هَذِهِ التِّسْعَةِ كَرَاهَةٌ بَلْ هِيَ مستحبة استحبابا شديداً” هكذا يقول النووي “بَلْ هِيَ مستحبة استحبابا شديداً لاسيما التَّاسِعُ مِنْهَا وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَقَدْ سَبَقَتِ الْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِهِ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْهُ فِي هَذِهِ يَعْنِي الْعَشْرَ الْأَوَائِلَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَيُتَأَوَّلُ قَوْلُهَا لَمْ يَصُمِ الْعَشْرَ أَنَّهُ لَمْ يَصُمْهُ لِعَارِضِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ أَنَّهَا لَمْ تَرَهُ صَائِمًا فِيهِ وَلَا يَلْزَمُ من ذَلِكَ عَدَمُ صِيَامِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ حَدِيثُ هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ امْرَأَتِهِ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ” انتهى كلامه رحمه الله.
فصيام التسع مشروع وهو من العمل الصالح الذي يحبه الله في هذه الأيام كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ويزادا فضل الصيام في يوم عرفة لأن الله يكفر السنة الماضية والسنة الباقية كما قال النبي ﷺ في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ والسنة التي بعده)، و(خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ) كما قال النبي ﷺ (وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْء قدير).
فالدعاء أيضاً من العبادات العظيمة التي يتقرب بها العبد إلى ربه في هذه الأيام يقول الله تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} وجاء في الحديث (لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللهِ مِنَ الدُّعَاءِ) فلا تعجز عن الدعاء ف (أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عن الدُّعَاءِ) كما بيَّن النبي ﷺ.
اجتهدوا في الدعاء لا سيما الدعاء في السجود فإنه دعاء مستجاب ف «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» كما قال النبي ﷺ (وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ).
أيضا من مواطن إجابة الدعاء في التشهد قبل السلام، أيضا الدعاء حين (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي، فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ).
أيها الأخوة اجتهدوا في الطاعات والعبادات في هذه الأيام القلائل.
وأخيراً أريد أن أنبه على أمر ألا وهو أن من أراد أن يضحي فلا يأخذ شيئا من شعره ولا من أضفاره حتى يضحي كما جاء في صحيح مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال «مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أُهِلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ، وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ» بارك الله فيكم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ يعقوب البنا - حفظه الله
ﺑﺮﻣﺠﺔ: ﻓﺎﺋﻖ ﻧﺴﻴﻢ