الإعلانات

التواصل الاجتماعي

حق القرآن الكريم

  • April 8, 2020

 

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله على نبينا وعلى آله وسلم أما بعد: فقد أنزل الله سبحانه وتعالى على نبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم كتاباً وهو القرآن الكريم؛ هذا الكتاب هو أفضل الكتب وأحسن الكتب وآخر الكتب وناسخ لجميع الكتب ومهيمن على جميع الكتب؛ حفظه الله سبحانه وتعالى من التبديل والتغيير ومن الزيادة والنقصان، قال الله عز وجل: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)؛ هذا القرآن هو كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود تكلم الله به حقيقةً بصوت وحرف أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل؛ هذا الكتاب فيه نبأ من قبلنا، وخبر من بعدنا، وحكم ما بيننا هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، من قال به صدق، ومن عمل به أُجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُديَ إلى صراط المستقيم.

فينبغي علينا أن نؤمن بهذا الكتاب، وأن نصدق بما فيه، نؤمن بأن الله أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم، نؤمن أن هذا القرآن هو كلام الله غير مخلوق منزل تكلم الله به حقيقةً منه بدأ وإليه يعود، نؤمن بهذه الأمور نقرأ كتاب الله ونتدبر كتاب الله ونعمل بكتاب الله، فهذا الكتاب له فضل عظيم إن عملنا به وقرأناه وتلوناه، يقول خباب رضي الله عنه: (تقرب ما استطعت _ أي تقرب إلى الله من الأعمال ما استطعت _ قال  واعلم أنك لن تتقرب إلى الله بشيء أحب إليه من كلامه) هذا أفضل ما يتقرب العبد إلى ربه أن يتقرب بكلامه، قال تعالى: (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا من ما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارةً لن تبور) هذه تجارة رابحة ما فيها خسارة مضمونة في تلاوة كتاب ربنا وفي إقامة الصلاة والإنفاق؛ النبي صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ أن لك بكل حرف حسنة والحسنة تتضاعف إلى عشر أمثالها، كما قال تعالى: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون)، قال صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألف لام ميم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف) كما عند الترمذي من حديث عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه؛ في تلاوة القرآن وقراءة القرآن رفعة في الدنيا والآخرة، فالله عز وجل يرفع قارئ القرآن في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين) كما عند مسلم من حديث عمر رضي الله عنه، وهذا الحديث ذكره عمر لسبع فنافع ابن عبد الحارث لقي عمر بعسفان وعمر رضي الله عنه استخلف واستعمل نافع على مكة فسافر نافع فقال عمر له: ومن استعملت على أهل الوادي، قال: ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى، قال: مولى من موالينا، قال: استعملت عليهم مولى، فقال نافع: إنه قارىء للقرآن وعالم بالفرائض وقاض، يعني قاضي، ثم قال عمر رضي الله عنه: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين)، هكذا فالله عز وجل يرفع أهل القرآن، فأهل القرآن هم أهل الله وخاصته؛ لأن العلم في هذه النصوص في نصوص الوحي العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة، قال ابن مسعود من أراد العلم  فليتبوأ من القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين؛ إذا أردت العلم فتمسك بالوحيين بنصوص الكتاب والسنة على فهم سلف هذه الأمة، وخذ العلم من علماء زمانك اجلس عند العلماء وتعلم العلم تنال العلم، يقول ابن القيم: فتدبر القرآن إن رمت الهدى فالعلم تحت تدبر القرآن، هكذا إذا أردت العلم فخذ العلم من كتاب ربنا، ومن سنة نبينا على فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ومن مشى على دربهم، هكذا يكون المسلم إذا أراد العلم فالله عز وجل يرفع أهل العلم يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات هذا في الدنيا؛ في الآخرة يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتقي ورتل في الدنيا كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها، كما عند الترمذي من حديث عبد الله ابن عمر بن عاص رضي الله عنهما، هكذا ترتفع في درجات الجنة، فاتلوا القرآن واعمل بالقرآن؛ هذا القرآن يأتي يوم القيامة ينافح ويدافع عنك ويكون لك شفيع، قال صلى الله عليه وسلم: (اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيع لأصحابه) كما عند مسلم من حديث أبي امامة، وقال صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم من حديث النواس ابن سمعان رضي الله عنه (يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما) الله أكبر، وجاء أيضاً في حديث مسلم من حديث أبي امامة أن عليه الصلاة والسلام: (قال اقرأوا الزهراوين البقرة وآل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو فرقان من طير الصواف تحاجان عن صاحبهما؛ اقرأوا البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة) يعني السحرة، فالشاهد أن الله عز وجل يرفع بهذا الكتاب، لكن بمن عمل به عمل بالقرآن ليس مجرد القراءة لا، وإنما أيضاً يتبع هذه القراءة  العمل وإلا كان هذا القرآن حجة عليك، فالنبي صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ بقوله القرآن حجة لك أو عليك كما عند مسلم من حديث أبي مالك الأشعري؛ القرآن إما لك وإما عليك إن عملت به فلك، وإن لم تعمل به وخالفت ما فيه فعليك، هكذا القرآن حجة لك أو عليك؛ (القرآن شافع مشفع من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار) كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند ابن حبان من حديث جابر، وأيضاً صح موقوفاً عن ابن مسعود رضي الله عنه.

إذاً علينا أن نتلوا القرآن وأن نعمل بالقرآن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحفظون القرآن؛ ثبت عن بعضهم أنهم حفظوا سورة البقرة في عشر سنين لماذا؟! لأنهم يعملون بالقرآن ما ينتقلون إلى الآية التي بعدها حتى يعملوا بما حفظوا وهكذا، كم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه إذا خالفت ما في القرآن، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما اُسريَ به ليلة المعراج مرَ على أقوام تقرض شفاههم بمقاريض من نار، قال لجبريل: من هؤلاء، قال: هؤلاء الذين يتلون كتاب الله ولا يعملون به الذين يقرأون كتاب الله ولا يعملون به كما في رواية، والله عز وجل يقول: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكا) تعرض عن تلاوة القرآن وعن العمل بالقرآن الكريم (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لمَ حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى)، فلابد للمسلم أن يتلوا القرآن بتمهل ويتدبر القرآن ويعمل بالقرآن؛ تخلص في عملك لله عز وجل في تلاوتك وفي سائر الأعمال، لما تعمل بأوامر القرآن تُخلص، ولما تنتهي عن ما نهى عنه القرآن أيضاً تُخلص، ولما تتلوا القرآن تُخلص، وأول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة، ومنهم قارئ للقرآن يؤتى به، فيعرف على نعم الله فيعرفها، فيقال: فما عملت فيها، فيقول: يا رب قرأت فيك القرآن، فيقال: له كذب قرأت ليقال هو قارئ فقد قيل، ثم يؤمر ويسحب على وجهه حتى يُلقى في النار؛ إذاً لابد من الإخلاص، وأيضاً أن نعطي القرآن حقه؛ ألا نهجر القرآن، والهجر أنواع ليس فقط هجر التلاوة والقراءة، هجر التلاوة والقراءة وهجر التدبر وهجر الرجوع إلى كتاب الله والتحاكم إليه عند الاختلاف والتنازع، وإذا جاءك الحكم من كتاب ربنا ومن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ترضى وتسلم، ربنا جل وعلا قال: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)، والله عز وجل أيضاً قال: (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله)، إذاً هكذا أيضاً من أنواع الهجر هجر الاستشفاء بالقرآن؛ ترقي نفسك بالقرآن لا يزال عليك حافظاً من الله ولا يقربك شيطان، إذا قرأت القرآن حافظ وحصن حصين، ربنا جل وعلا قال (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين)، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر فإن الشيطان ينفر من البيت الذي يُقرأ فيه سورة البقرة) كما عند مسلم، إذاً نحصن أنفسنا نرقي أنفسنا بالقرآن، الهجر أيضاً يكون هجر الاستشفاء بالقرآن، والله عز وجل يقول: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين)، ويقول: (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء)، ويقول: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين)، هكذا ينبغي أن نتعامل مع كتاب ربنا ألا نهجر كتاب الله ليس فقط التلاوة، بل نتلوا القرآن ونتدبر القرآن ونعمل بالقرآن ونرجع إليه عند الاختلاف والتنازع في كل صغيرة وكبيرة ونرضى ونسلم بحكم الله وبحكم نبينا صلى الله عليه وسلم، وأيضاً نرقي أنفسنا ونتحصن بذكر الله عز وجل، هكذا ينبغي على كل مسلم؛ نسأل الله عز وجل أن يوفقنا إلى تلاوة كتاب ربنا والعمل به بارك الله فيكم وصلى الله على نبينا وعلى آله وسلم.