الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن الله عز وجل يفعل ما يشاء ويريد، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، يفضل من يشاء على من يشاء، ويفضل بعض الأشياء على غيرها، فربنا جلا وعلا فضل يوم الجمعة على سائر الأيام، فيوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، فأفضل يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فما طلعت الشمس ولا غربت على يوم خير منه، في يوم الجمعة خلق الله عز وجل آدم، وفي هذا اليوم أدخل الله عز وجل آدم الجنة، وفي هذا اليوم أيضاً أُخرج من الجنة وأُهبط، وفي يوم الجمعة تاب الله عز وجل على آدم، وفي يوم الجمعة النفخة، وفي يوم الجمعة الصعقة، وفي يوم الجمعة الساعة، الساعة ما تقوم إلا في يوم الجمعة، ولهذا ما من دابة إلا وهي تفزع يوم الجمعة إلا الثقلين الجن والإنس، من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وقاه الله فتنة القبر، يوم عظيم أفضل أيام الأسبوع، وأيضاً يوم الجمعة صلاة الصبح فيه أفضل الصلوات عند الله، أفضل الصلاة أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة، وأيضاً من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أو ليلة الجمعة جعل الله عز وجل له نوراً ما بينه وبين البيت العتيق، أضاء الله له النور ما بينه وبين البيت العتيق، وفي رواية ما بين الجمعتين، في يوم الجمعة ساعة إجابة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه.
هذا اليوم عظيم جعله الله عز وجل عيداً للمسلمين، ربنا جلا وعلا فضل هذه الأمة على سائر الأمم، فهدى الله هذه الأمة إلى يوم الجمعة وأضل الله من قبلنا من الأمم من اليهود والنصارى عن يوم الجمعة، يوم الجمعة أكمل الله الدين وأتم النعمة ورضي لنا هذا الإسلام دينا كما قال تعالى: (اليوم أكلمت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً).
فحري للمسلم أن يتعلم شيئاً من أحكام الجمعة وأن يتأدب بآداب الجمعة، فمن أهم أحكام الجمعة صلاة الجمعة، صلاة الجمعة صلاة واجبة على كل مسلم بالغ عاقل حر مقيم مستوطن إلا من كان له عذر يسمع النداء وله عذر، أما من لم يسمع النداء فلا يجب عليه، أما إذا سمع النداء وليس له عذر فلابد أن يجيب، ووجوب الجمعة ثابت في الكتاب والسنة والإجماع، فأما الكتاب فربنا جلا وعلا يقول: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون)، وأما السنة فالنبي صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ كما عند أبي داود (الجمعة حق واجب على كل مسلم) واستثنى المملوك والمرأة والصبي والمريض، وأيضاً في حديث آخر (ورواح الجمعة واجب على كل محتلم)، فلا يجوز من سمع النداء وليس له عذر أن يتخلف، إن تخلف فهو متوعد بوعيد شديد، من ترك ثلاث جمعات تهاوناً طبع الله على قلبه، هذا من علامات النفاق والعياذ بالله، قال عليه الصلاة والسلام: لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، يعني عن تركهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، فالحذر من ترك صلاة الجمعة.
من الآداب العظيمة التي ينبغي للمسلم أن يتأدب بها حتى ينال الأجر؛ لأن من تأدب بهذه الآداب العظيمة غفر له ما بين الجمعتين وزيادة ثلاثة أيام؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، من أهم هذه الآداب الغسل جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر (إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل)، وأيضاً جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد قال عليه الصلاة والسلام (غسل الجمعة واجب على كل محتلم)، فتغتسل وتلبس أحسن الثياب وأفضل الثياب وأجمل الثياب وتتطيب وتدهن هكذا كما قال تعالى: (خذوا زينتكم عند كل مسجد).
والمشي أفضل من الركوب، أفضل من ركوب الدابة ومن ركوب المركبة، لا بأس إن ركبت، لكن المشي أفضل؛ لأن في الحديث (ومشى ولم يركب) تمشي إلى المسجد ثم إذا دخلت المسجد ما تخطى الرقاب ما تؤذي المسلمين المصلين وإنما تجلس حيث ينتهي الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب الجمعة فدخل رجل يتخطى الرقاب، فقال عليه الصلاة والسلام له: (اجلس فقد آذيت وآنيت)، آذيت الناس بتخطي الرقاب وآنيت تأخرت عن الصلاة، وإذا دخلت ما تفرق بين اثنين، نهى النبي عليه الصلاة والسلام أن يفرق الرجل بين اثنين، وأيضاً ما تقيم أحد لتجلس مكانه.
وإذا دخلت المسجد صلي تحية المسجد تصلي ركعتين قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث أبي قتادة: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) تحية المسجد، ونجد بعض يتأخر عن صلاة الجمعة فيدخل المسجد والخطيب صعد على الممبر والمؤذن يأذن فيقف ويردد خلف المؤذن، الترديد سنة صلي تحية المسجد بادر بتحية المسجد، لماذا؟!ا حتى تدرك سماع، الخطبة سماع الخطبة واجب والترديد سنة، فما تقدم السنة على أمر واجب، وإنما تقدم الشيء الواجب على ما هو مستحب، فإذا دخلت المسجد وقد تأخرت والمؤذن يؤذن بادر بحية المسجد حتى تسمع الخطبة ما تفوت على أمرك هذا الأمر الواجب.
وأيضاً إذا جئت وصليت تحية المسجد فلك أن تصلي ما كُتب الله لك من الركعات أو تقرأ القرآن الله أو تذكر الله أو تدعو الله أو تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى، (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنو صلوا عليه وسلموا تسليماً)، والنبي صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ فأكثر من الصلاة علي فيه يعني في يوم الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي، تكثر الصلاة في يوم الجمعة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم مرة صلى الله عليه عشرة مرات أجر عظيم، تشتغل بذكر الله فإذا صعد الخطيب للخطبة تنتهي عن الكلام وعن الحديث وعن الاشتغال بأي شي ما تضيع هذا الأجر العظيم، أجر عظيم إذا تأدبت بآداب الجمعة فأنصت جاء في الحديث عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشي ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة أجر سنة أجر صيامها وقيامها) أجر عظيم، وجاء في البخاري (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر مستطاع من طهر ويتدهن من دهنه ويمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق من بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له إلى جمعة أخرى)، وفي بعض الأحاديث (وزيادة ثلاثة أيام)، فإذا تأدبت بهذه الآداب ربنا جلا وعلا يغفر لك ما بين الجمعتين وزيادة ثلاثة أيام، فأنصت حتى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ممنوع والإمام يخطب تخيل، يعني إذا رأيت اثنين يتكلمون ما تنهى هذا، ما تقول له أنصت، ما تشمت أيضاً إذا عطس وحمد الله ما تشمته، ما تقول له أنصت أسكت الخطيب يخطب ما تقول، هذا يضيع عليك الأجر قال عليه الصلاة والسلام: إذا قال الرجل لصاحبه يوم الجمعة، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت)، وأيضاً قال: (من مس الحصى فقد لغى) ضيعت أجرك هكذا من يبعث بغترته أو ينظر في هاتفه أو يشتغل بالمفتاح أو ينظر في ساعته يوم الجمعة والإمام يخطب ل،ا وإنما تستمع للخطيب يوم الجمعة هكذا ينبغي أن تتأدب.
وإذا شعرت بالنعاس تتحول من مكانك إلى مكان آخر (إذا نعس أحدكم وهو في المسجد يوم الجمعة فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره) كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم هكذا تتخلق بهذه الآداب وتتأدب بهذه الآداب حتى تنال الأجر.
وأيضاً هناك بعض التنبيهات أيها الإخوة.
أولاً: بالنسبة لرفع الأيدي في الدعاء يوم الجمعة ما يشرع لا للإمام ومن باب أولى للمصلين، فالإمام ما ينبغي ولا يشرع له ولا يجوز له أن يرفع يديه عندما يدعو في تمام الخطبة إلا في الاستسقاء، فمن باب أولى المأموم ما يرفع يديه فالدعاء يؤمن لا بأس بالتأمين، لكن يسر بالتأمين ما يرفع صوته ما يهجر، وإنما يؤمن لا بأس هذا أمر من الأمور.
أيضاً هناك بالنسبة للخطيب ماذا يقرأ؟ من السنة أن يقرأ الخطيب في صلاة الجمعة بالأعلى وفي الثانية بالغاشية، أو يقرأ بالجمعة في الأولى وفي الثانية بالمنافقون، أو يقرأ بالجمعة في الأولى وفي الثانية بالغاشية هذا من السنة، وإذا صلى مرة بآيات أخرى لا بأس.
وأيضاً السنة البعدية، ليس لصلاة الجمعة سنة قبلية وإنما تصلي ما تشاء من الركعات، أما السنة البعدية إما ركعتان وإما أربع ركعات واضح، تصلي ركعتين أو أربع ركعات في المسجد أو في البيت والأمر في هذا واسع، فنسأل الله عز وجل أيها الإخوة أن يوفقنا إلى كل خير وأن يجعلنا ممن يتبع السنة في كل صغيرة وكبيرة، بارك الله فيكم وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبة أجمعين.
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ يعقوب البنا - حفظه الله
ﺑﺮﻣﺠﺔ: ﻓﺎﺋﻖ ﻧﺴﻴﻢ