الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فهديه عليه الصلاة والسلام أكمل وأتم هدي، وأحسن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في كل الأبواب وفي سائر الجوانب، واليوم نذكر لكم باباً عظيماً من أبواب الدين باب النصيحة، فهدي النبي عليه الصلاة والسلام أكمل الهدي وأحسن الهدي وأتم الهدي، والنصيحة هي إرادة الخير للمنصوح له، والدين كله قائم على النصح في العقائد في العبادات والأخلاق والسلوك والمعاملات في فرائض الدين وسننه وفي واجبات الدين ومستحباته، فالدين قائم كله على النصح، وعندنا قاعدة أساسية في هذا الباب حديث النبي صلى الله عليه وسلم روى الإمام مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة) ثلاث هكذا (الدين نصيحة الدين نصيحة الدين نصيحة الدين)، كله نصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله، قال: (لله ولكتابه ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)، نعم أول ما بدأ قال: (لله)، والنصح لله بأن تؤمن بالله بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، بأن تفرد الله في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات تثبت الأسماء والصفات، وأن تعبد الله وحده دون سواه، إفراد العبادة لله، والتبرؤ من الشرك وأهله الخلوص من الشرك وأهله هكذا تكون موحداً، وهذه هي الغاية والحكمة من خلق الخلق (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، هذه هي الغاية (فاعبد الله مخلصاً له الدين ألا لله الدين الخالص).
الدين النصيحة بأن تخلص العبادة لله هذا أولاً (لله ولكتابه)، والنصح لكتاب الله بأن تعتقد أن هذا الكتاب هو كلام الله، القرآن كلام الله ليس بمخلوق تكلم به حقيقة بصوت وحرف منه بدأ وإليه يعود أنزله الله على النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل، هذا القرآن هو آخر الكتب ومهيمن على سائر الكتب وناسخ لجميع الكتب، وقد حفظ الله كلامه حفظ الله القرآن (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) حفظه من التغيير والتبديل والتحريف فلا زيادة ولا نقصان، (نزل به الروح الأمين) ما زاد حرفاً ولا أنقص حرفاً جبريل الأمين على الوحي، والنبي صلى الله عليه وسلم هو الصادق الأمين بلغه كما أنزل عليه.
والنصح لكتاب الله بأن تصدق أخباره، وأن تعمل بأحكامه، وأن تؤمن بمحكمه ومتشابه، وأن ترد المتشابه إلى المحكم وهكذا، الرجوع إلى كتاب الله عند الاختلاف والتحاكم إليه كما قال جلا وعلا (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله).
النصح لكتاب الله بأن تقرأ القرآن حق القراءة وحق التلاوة ما تهجر القرآن (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً) هجر التلاوة هجر الفهم والتدبر، من النصح لكتاب الله أن تفهم وتتدبر الآيات (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته)، وقال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) التلاوة التدبر العمل بالقرآن، وهذا من أهم الأشياء، وأن تخلص في عملك، لما سألت عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي عليه الصلاة والسلام، ماذا قالت؟! (كان خلقه القرآن)، يعني يعمل بالقرآن يمتثل أوامر القرآن ويجتنب نواهي القرآن وهكذا هكذا يكون النصح لكتاب الله ولرسوله.
النصح للنبي صلى الله عليه وسلم بأن تؤمن أن هذا الرسول صلى الله عليه وسلم مرسل من عند ربه، تتعرف عليه وتعرف شيئاً عن سيرته، تؤمن به أن الله أرسله إلى كافة الناس، بل إلى الجن والإنس، أرسله إلى الناس جميعاً، وأيضاً هو خاتم النبين والمرسلين لا نبي بعده.
فمن النصح للنبي صلى الله عليه وسلم أن تمتثل أمراه وأن تجتنب نهيه، وأن تصدق أخباره، وأن تعبد الله بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن النصح للنبي صلى الله عليه وسلم تقديم محبة النبي عليه الصلاة والسلام على محبة النفس والأهل والمال والوالد والولد والناس أجمعين، قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث أنس: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)، لكن هذه المحبة ما تزيد زيادة تغلو في النبي عليه الصلاة والسلام، يعني ما يؤول الأمر إلى الغلو فترفع النبي عليه الصلاة والسلام في منزلة الألوهية أو الربوبية لا ندخل إذاَ في الشرك والعياذ بالله ننتبه وألا نغلو فيه، وإنما هو عبد الله ورسوله، ومن محبته محبة أصحابه محبة أهل بيته هكذا من محبته تعظيم السنة الاتباع والحذر من البدعة من محبته الذب عنه وعن أصحابه وعن أهل بيته الذب عن سنته، وبيان أعداء السنة، الابتعاد عن أعداء السنة، عن أعداء الصحابة، عن أعداء بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا هذا من محبة النبي صلى الله عليه وسلم إظهار السنة ونشر السنة بين الناس تعظيم السنة التمسك بالسنة أن تمتثل أمره وتجتنب نهيه، (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب)، (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً)، ما نخالف النبي عليه الصلاة والسلام (فليحذر اللذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم).
والنصح لأئمة المسلمين، ثم قال: (وعامتهم)، لأئمة المسلمين يعني لولاة الأمر، كيف يكون النصح لولاة الأمر؟! أولاً: باعتقاد ولايتهم وإمرتهم في قلبك في عنقك بيعة لهم ما تنزع البيعة وتبايع كذا وكذا لا، وإنما بيعتك لولي أمرك اعتقاد ولايتهم وإمرتهم، فيلزم من ذلك أيضاً السمع والطاعة، من النصح لولاة الأمر السمع والطاعة امتثال ما يأمرون به واجتناب ما ينهون عنه بشرط ألا يخالف الشرع واضح يعني في طاعة الله (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، (إنما الطاعة بالمعروف) كما بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الذي أمرنا الله جلا جلاله يقول تعالى: (يا إيها اللذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) انظر وأولي الأمر منكم يعني هذه الطاعة ليست مستقلة، وإنما هي طاعة تابعة لطاعة الله، وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم ليست مستقلة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث ابن عمر: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وفيما كره إلا أن يؤمر بمعصية)، وليس معنى أنه إذا أمر بمعصية لا سمع له ولا أطاع لا، نسمع ونطيع لكن في تلك المعصية، فطاعة الله وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم مقدمة على أي طاعة مخلوق كائناً من كائنا في هذه الطاعة، وإنما نسمع ونطيع وفي عنقنا بيعة واضح في تلك المعصية فقط.
وأيضاً من النصح ولاة الأمر نشر محاسنهم بين الناس حتى تأتلف القلوب ويلتفون الناس حول ولاة أمرهم فتكون الجماعة ويكون الاجتماع حول ولاة الأمر، وستر عيوبهم والكف عن مساوئهم هكذا يكون النصح لولاة الأمر، والذب عنهم الدفاع عنهم.
وأيضاً بذل النصيحة، لكن بذل النصيحة لهم بالضوابط الشرعية وبالطرق الشرعية بما بَيَّنَ النبي عليه الصلاة والسلام (من كانت له نصيحة لذي سلطان فلا يبديه علانية وليأخذ بيده وليخلو به فإن قبلها قبلها وإن ردها كان قد أدى الذي عليه) ما تشهر به وتزعم أن هذا من النصح ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن هذا جهاد، وتزعم أن هذا أفضل الجهاد عند سلطان جائر، عند سلطان جائر أفضل الجهاد، لكن قال: (عند) يعني بينك وبينه ليس أمام الناس وخلف الشاشات وعلى المنابر وفي الصحف تتكلم كذا وكذا تتكلم على ولي الأمر، وإنما تنشر المحاسن وتستر العيوب وهكذا، بل علينا أن ندعوا لهم، هذه علامة فارقة في سنية الرجل أنه على الحق أنه على منهج النبي صلى الله عليه السلام وعلى منهج السلف أنه إذا دعا (إذا رأينا الرجل يدعو للسلطان فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأينا رجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هو هوى كما ذكر الإمام البربهاري رحمه الله، وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: (لو كانت لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان) هكذا يكون النصح لولاة الأمر.
وأيضاً يدخل في قوله تعالى: (وأولي الأمر منكم) العلماء، الحكام والعلماء كما قال سهل بن عبد الله تستري: (لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء، فإن عظموا هذين أصلح الله لهم دينهم ودنياه، وإن استخفوا بهذين أفسدوا دينهم ودنياهم)، والعلماء النصح لهم بأن نلتف حولهم، بأن نعرف قدرهم ومكانتهم، بأن نتأدب معهم، بأن نأخذ العلم منهم، بأن نذب عن أعراضهم، بألا نتبع زلاتهم وعوراتهم ما نكون كأهل الزيغ والضلال يقعون في أهل العلم من رأيتم يقع في العلماء الراسخين أو ولاة الأمر أو في الصحابة فاعلم أنه صاحب هوى علامة على الزيغ والضلال هكذا، لمزوا أهل العلم لا يفقهون الواقع، علماء سلاطين، علماء البلاط، علماء حيض ونفاس، ويلقبونهم بألقاب لينفروا الناس عن العلم الذي يحملونه، لا عن أشخاصهم عن السنة ينفروا الناس عن السنة عما يحملونه من العلم، هؤلاء وهابية جامي مدخلي كذا وكذا وكذا ينفرون الناس عن الحق بتلقيب أله الحق بألقاب منفرة هكذا صنيع أهل البدع والضلال، فالواجب علينا أن نلتف حولهم وأن نأخذ العلم منهم وأن نذب عن أعراضهم ونعرف قدرهم ومكانتهم.
قال: (ولأئمة المسلمين وعامتهم) يعني لعامة الناس وأن تحب لأخيك ما تحبه لنفسه، يعني تريد الخير في قلبك لكل مسلم (لا يؤمن أحدكم حتى ما يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وأيضاً قال عليه الصلاة والسلام ضابط آخر: (وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتي إليه) يعني المعاملة بالمثل كما أنك تحب أن تعامل فعامل الناس بما تحب أن تعامل، إذا كنت لا ترضى هذا الشيء لنفسك فلا ترضاه لفلان وفلان وهكذا، المعاملة بالمثل وليأت إلى الناس الذي تحب أن يؤتي إليك هكذا.
فالشاهد أنك تبذل النصيحة لإخوانك، لكن بالأسلوب الطيب، عليك يعني بالبشاشة بطلاقة الوجه بإلقاء السلام بذل النصيحة وأنت تريد له الخير وكذا وكذا، يعني تنظر في الرجل، تبحث عن الأوقات المناسبة، ما تشهر فيه أمام الملا في المجلس والناس جالسون، تفضحه أمام الملا لا، وإنما تأخذه على جنب يا فلان رأيت منك كذا وكذا، أو سمعت عنك كذا وكذا، وهذا ما يجوز، والدليل على أن هذا لا يجوز قول الله أو قول النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا تبذل النصيحة أولاً لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم بارك الله فيكم وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ يعقوب البنا - حفظه الله
ﺑﺮﻣﺠﺔ: ﻓﺎﺋﻖ ﻧﺴﻴﻢ