الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فديننا دين الرحمة والتآلف والتعاون على الخير وعلى البر والإحسان دين الاجتماع على الحق، فديننا دين عظيم يدعو إلى الترابط وإلى تقوية الصلة بين المسلم وأخيه تحقيقاً لقول الله عز وجل: (إنما المؤمنون إخوة)، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)، ويقول: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، فالشرع حث على كل أمر يدعو إلى التلاحم والترابط، وتقوية هذه الصلة بين المسلم وأخيه، أمر وحث وجاء الفضل في كذا وكذا مما يقوي هذه الرابطة، ونهى وحذر مما يقطع الرابطة الأخوية.
فمما يقوي هذه الرابطة الأخوية عيادة المريض، فالمريض يشعر بالأنس، تُدخل السرور في قلب المريض لما تعوده، يشعر المريض أنه له أهمية وشأن لما تعوده وتزوره هذا من حقه.
وعيادة المريض أي زيارته، وسميت زيارة المريض بالعيادة؛ لأن الناس يعودون إليه مرة بعد أخرى، يحتاج المريض إلى من يقف بجانبه، وذهب بعض أهل العلم إلى أن عيادة المريض سنة مؤكدة، وذهب شيخ الإسلام والمحققون من أهل العلم أن عيادة المريض واجب كفائي فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، بوب البخاري باباً وسماه باب وجوب عيادة المريض وأدرج تحت هذا الباب حديث النبي صلى الله عليه وسلم (أطعموا الطعام وعودا المريض وفكوا العاني) يعني الأسير، وذكر الإمام النووي الإجماع أن عيادة المريض ما تجب على الأعيان، وكذا أيضاً ابن حجر في الفتح ما تجب على الأعيان، وإنما إذا قام بعيادة المريض بعض الناس سقط هذا الشي عن الباقين فرض كفاية، وأيضاً كما ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن للمسلم حقاً (حق المسلم على المسلم خمس)، وفي رواية (ست) وذكر عيادة المريض.
ولعيادة المريض آداب ينبغي العائد أن يتحلى بهذه الآداب المستمدة من الكتاب والسنة، المستمدة من الشريعة أن يتحلى يتأدب بآداب الاستئذان لما يعود المريض، أيضاً يختار الأوقات المناسبة لعيادة المريض ما يأتي مبكراً ولا متأخراً وما يأتي في وقت راحته، وإنما يأتي في وقت يناسب المريض ويناسبه، وما ورد في الشرع وقتاً معيناً أو يوماً معيناً ما ورد، وإنما لك أن تزور المريض في أي يوم وفي أي وقت، لكن تنظر إلى الوقت المناسب ما ورد مثلاً في يوم الجمعة أو في يوم كذا وكذا ما ورد هذا ذكر ابن القيم هذا ما خص النبي عليه الصلاة والسلام يوماً من الأيام ولا وقتاً من الأوقات.
وتتكلم عند المريض في شيء يسره ويسعده ويفرحه تدخل السرور في قلبه، ما تتكلم بكلام يضجره ويسوئه ويحزنه ويقلقه ويزعجه لا، وإنما تتكلم بكلام تبث في نفسه الطمأنينة السرور الأمل بالشفاء هكذا تبث في نفسه العزيمة، توصيه بالصبر والاحتساب، وتحذره من اليأس والقنوط والتسخط والجزع فهكذا ينبغي العائد أن يكون عند المريض، المريض يتوجه ويتألم وفلان يضحك مع من معه يتكلم في كذا وكذا والمريض يجد الألم ما يشعر بالمريض كأن هذا المكان مكان مجلس من المجالس مكان سمر، تجد البعض يرتفع صوته بالضحك والمريض يعني يجد ما يجد من التعب والمشقة والوجع والألم ما ينبغي.
والعائد يعني يرقي المريض، والنبي صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ في سنته الرقية الشرعية جاء في البخاري يعني عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه يشرع أن يقول (لا بأس طهور إن شاء الله)، وأيضاً الدعاء الوارد في الصحيحين (اللهم رب الناس اذهب البأس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفائك شفاء لا يغادر سقماً)، وأيضاً تقول سبع مرات (اسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك) كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا عاد مريضاً مسح بيده اليمنى يعني على المريض وكان يقول: (ما من عبد مسلم يعود مريضاً لم يحضر أجله فيقول اسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك إلا عوفي)، وأرشد عثمان بن أبي عاص كما عند مسلم لما شكى عثمان بن أبي عاص عند النبي صلى الله عليه وسلم أنه يجد ألماً في جسده، فأرشده أن يضع يده على الذي يألم من جسده على المكان الذي يجد الألم فيه وأن يقول: (بسم الله) ثلاثاً، قال: قل (بسم الله) ثلاثاً، وقل: سبع مرات (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) هكذا، وأيضاً جاء في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك)، كان النبي عليه الصلاة والسلام كان يرقي نفسه وعائشة رضي الله عنها كانت ترقي النبي عليه الصلاة والسلام وجبريل كان يرقي النبي عليه الصلاة والسلام.
والرقية بالقرآن وما ثبت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، القرآن كله شفاء اقرأ الفاتحة آية الكرسي خواتيم سورة البقرة المعوذات اقرأ القرآن اقرأ على مريضك واقرأ على نفسك، هكذا يشرع الإنسان أن يقرأ على نفسه إذا كان مريضاً أو يقرأ على المريض، والله عز وجل قال في كتابه: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين)، وقال: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين)، قال أيضاً ربنا جلا وعلا: (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) للأمراض الجسدية شفاء القرآن شفاء للأمراض الحسية الجسدية البدنية، وأيضاً للأمراض النفسية تعالج مريضك بالقرآن رقية.
والعيادة أيها الإخوة ما تختص بمن تعرفه فقط، بل بمن تعرف ومن لا تعرفه، بل يشرع للمسلم أن يعود الكافر إلى هذه الدرجة إذا كان في عيادته مصلحة كأن يدعوه إلى الإسلام، فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم غلاماً يهودياً فدعاه إلى الإسلام فأسلم أسلم أنقذه الله عز وجل بالنبي صلى الله عليه وسلم من النار، ودعا عليه الصلاة والسلام عمه عندما احتضر يا عم قل لا إله إلا الله فأبى أن يقول لا إله إلا الله ومات على ملة عبد المطلب.
وفي فضل عيادة المريض أحاديث كثيرة جاء في صحيح مسلم من حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عاد مريضاً لم يزل في خرفة الجنة، قيل: يا رسول الله وما خرفة الجنة، قال: جناها) أي ثمارها، وأيضاً جاء في الترمذي من حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما مسلم يعود مسلم غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك، وإن عاد عشيته إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح هكذا، وجاء عند أحمد من حديث جابر وهو حديث صحيح (من عاد مريضاً لم يزل يخوض في الرحمة حتى يجلس فإذا جلس اغتمس فيها) الله أكبر فضل عظيم، وأيضاً ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من عاد مريضاً أو زار أخ له ناداه مناد من السماء طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً)، وأيضاً من فرط في هذا الباب فإن الله عز وجل يقول للعبد كما جاء في صحيح مسلم أن الله عز وجل يقول أي يوم القيامة: (يا ابن آدم مرضت ولم تعدني، فيقول ابن آدم: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين، قال: أما علمت أن عبدي فلان مرض فلم تعده أما أنك لو عدته لوجدتني عنده الإنسان) ما يفرط في عيادة المريض فثواب عيادة المريض عظيم، وأيضاً بَيَّنَ عليه الصلاة والسلام خمس من فعل واحدة منهن كان ضامن الله عز وجل وذكر عليه الصلاة والسلام عيادة المريض.
فالإنسان يحتاج إلى من يقف بجانبه فإذا ما وقفت بجانب أخيك في هذا الوقت، فمتى ستقف بجانبه؟! فهو محتاج في هذا الوقت وفي هذا الضيق إليك، فينبغي للمسلم أن يحرص على هذا الأمر على عيادة المريض بارك الله فيكم وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين.
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ يعقوب البنا - حفظه الله
ﺑﺮﻣﺠﺔ: ﻓﺎﺋﻖ ﻧﺴﻴﻢ