الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن الله عز وجل يقول في كتابه: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، أرسل الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة أرسله بأعظم غاية التوحيد يأمر الناس بأن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا يحذرهم من الشرك، وأيضاً بُعث النبي صلى الله عليه وسلم ليتمم صالح الأخلاق فهو رحمة مهداة، يقول عليه الصلاة والسلام: (يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة)، ومن أسمائه عليه الصلاة والسلام نبي الرحمة، كان رحيماً عليه الصلاة والسلام بالمؤمنين كما قال الله عز وجل عنه أنه رحيم بالمؤمنين، ولاسيما بالصغار فهو رحيم بهم صلى الله عليه وسلم، وكما قال أنس مر النبي صلى الله عليه وسلم على صبيان يلعبون فسلم عليهم، هكذا من رحمته ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه يسلم على الصغار، وأيضاً قال ثابت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار فيسلم على صبيانهم ويمسح على رؤوسهم ويدعو لهم).
هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن والحسين كما جاء في الصحيحين قبلَّ النبي صلى الله عليه وسلم الحسن وعنده الأقرع بن حابس، فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه سلم فقال عليه الصلاة والسلام: (من لا يرحم لا يرحم)، هذه رحمة وشفقة وحنان وعطف أن تقبل طفلك وولدك هكذا ينبغي للمسلم أن يكون مع أولاده.
جاء في أبي داوود والترمذي والنسائي عن بريدة رضي (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر فحمل ووضعهما بين يديه، ثم قال عليه الصلاة والسلام صدق الله إنما أموالكم وأولادكم فتنة نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما)، هكذا كان عليه الصلاة والسلام يرفق بأولاده بأولاد فاطمة رضي الله عنها، كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره عليه الصلاة والسلام فإذا منعوهما أشار إليهم أن دعوهما فلما قضى الصلاة وضعهما في حجره، وقال: (من أحبني فليحب هذين)، يعني من أراد محبتي ومن صدق في محبتي فليحب الحسن والحسين، وجاء في الصحيحين عن البراء قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن بن علي على عاتقه هكذا، ويقول عليه الصلاة والسلام: اللهم إني أحبه فأحبه)، وجاء في البخاري من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: (كان رسول الله يأخذني ويقعدني على فخذه ويقعد الحسن بن علي على فخذه الأخرى، ويقول عليه الصلاة والسلام: اللهم ارحمهما فإني ارحمهما، ويقول اللهم أحبهما فإني أحبهما)، هكذا شفقة النبي صلى الله عليه وسلم بالصغار.
أم محصن جاءت بولد لها صغير لم يأكل الطعام كما في الصحيحين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فوضعه النبي صلى الله عليه وسلم في حجره، انظر إلى شفقة النبي صلى الله عليه وسلم فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله، وأيضاً أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها لما ولدت بعبدالله بقباء أتت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم وضعه في حجره ودعا بتمر فمضغ التمرة وتفل يعني جعل ريقه في في عبدالله بن الزبير فتفل في فيه عبد الله بن الزبير فتفل في فيه ودعا له وبرَّك عليه فكان يعني عبد الله أول مولود في الإسلام، وأيضاً يوسف بن عبد الله بن سلام قال سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوسف ومسح على رأسي وأقعدني في حجره، وأم سليم جاءت بولدها إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت لابنها أنس يعني لا يطعم شيء حتى تغدو به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم _ هكذا النبي صلى الله عليه وسلم يأتون بالمواليد إليه يحنكهم ويدعو لهم _ حتى تأتي وتغدو به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جاء به إلى النبي صلى الله وسلم ألقى ما في يده عليه الصلاة والسلام وتناول الصبي وجعله في حجره، وقال أمعه شيء، قال نعم تمرات فجعل عليه الصلاة والسلام يحنك الصبي، والصبي يتلمظ يعني يخرج لسانه يمص حلاوة التمر وريق النبي صلى الله عليه وسلم، فأول ما دخل في جوفه دخل ريق النبي صلى الله عليه وسلم.
هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يرحم الصغار ويشفق عليهم ويعطف عليهم ويحن عليهم، فهو الأسوة والقدوة يربيهم ويعلمهم تعاليم هذا الدين والأخلاق وأمور كثيرة، جاء في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدره، ودعا له وقال: (اللهم علمه الحكمة)، وفي رواية قال: (اللهم علمه الكتاب)، ومرة دخل النبي صلى الله عليه وسلم الخلاء فوضع له ابن عباس وضوءاً لما خرج، قال: من وضع هذا، فأُخبر عليه الصلاة والسلام أن ابن عباس وضع له فقال: (اللهم فقهه في الدين) الله أكبر فكان ترجمان القرآن وحبر هذه الأمة (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل).
وأيضاً يعني من تعليم النبي صلى الله عليه وسلم للصغار وللناشئة أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال عليه الصلاة والسلام: كخ كخ ليطرحها أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة، فالنبي عليه والسلام ما يأكل الصدقة ولا آل النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان عليه الصلاة والسلام يأكل الهدية عليه الصلاة والسلام هكذا.
جاء أيضا أنه عليه الصلاة والسلام علم الحسن بن علي يعني دعاء قنوت الوتر اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت إلى آخر الدعاء.
عمر بن سلمة كما جاء في الصحيحين قال: كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني ربيب النبي عليه الصلاة والسلام ولد أم سلمة زوجة النبي عليه الصلاة والسلام، فيقول وكانت يدي تطيش في الصحفة صحفة الطعام يأكل من هنا ويأكل من هنا، فقال له عليه الصلاة والسلام: (يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك).
هكذا يعلم ويربي النبي عليه الصلاة والسلام الصغار والناشئة على تعاليم الإسلام وآداب الإسلام وأخلاق الإسلام، وقال لابن عباس رضي الله عنه: (يا غلام) يعني حتى في مسائل العقيدة، بل هذه المسائل من أهم المسائل في حياة المسلم، من أهم المسائل التوحيد وإفراد الله عز وجل بالعبادة، فقال: (يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك)، إذا حفظت الله حفظك الله، إذا حفظت الله عز وجل في جوارحك حفظ لله عز وجل هذه الجوارح، فتبقى معك هذه الجوارح سليمة تتمتع بها إلى ما شاء الله، والله عز وجل يحفظك من الشهوات وأيضا يحفظك من فتنة الشبهات إذا حفظت الله جوارحك، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك يعني يسددك ويوفقك ويعينك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، أنت ما تستطيع أن تأتي بالعبادة إلا بإعانة الله عز وجل (إياك نعبد وإياك نستعين)، وهنا قال: (إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله)، ما تستطيع أن تعبد الله إلا بأن يعينك الله عز وجل على العبادة، (إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، وأعلم لو أن الأمة اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف) لكن الإنسان يأخذ بالأسباب يتوكل على الله ويفوض أمره الى الله ويأخذ بالأسباب، وما يفرح النعم يعني أنها من عنده وانما هذه من عند الله، وما يحزن على شيء فاته من أمر الدنيا لأن هذا شيء مقدر، فالإنسان يعني يصبر في هذه الدنيا ويحمد الله عز جل على نعمه.
حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام كان يمازح ولداً صغيراً وكان يكنيه عليه الصلاة والسلام كان عنده يعني طائر صغير فمات فرآه حزيناً عليه الصلاة والسلام فقال: (يا أبا عمير ما فعل النغير)، يا أبا عمير يعني هذا الولد الصغير كناه ما فعل النغير؛ لأنه مات يعني يمازحه عليه الصلاة والسلام.
هكذا ينبغي أن نهتم بأولادنا الصغار؛ لأن هؤلاء نحن مسؤولون عنهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (علموا أولادكم الصلاة لسبع واضربوهم لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع)، يعني في السن العاشرة.
فالشاهد أننا سنسأل عن هذه الأمانة يوم القيامة، وربنا جل وعلا قال في كتابه: (وقفوهم إنهم مسؤولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون)، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها) وهكذا، يقول عليه الصلاة والسلام: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت) هكذا، (إن الله سائل كل راع عما استرعاه يعني أحفظ أم ضيع)، فالشاهد أننا نهتم بأولادنا نعلمهم أمر دينهم ونهتم بهم لأننا سنسأل عن هذه الأمانة العظيمة، ولنا في النبي عليه الصلاة والسلام الأسوة والقدوة الحسنة كما قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً)، بارك الله فيكم وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين.
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ يعقوب البنا - حفظه الله
ﺑﺮﻣﺠﺔ: ﻓﺎﺋﻖ ﻧﺴﻴﻢ