الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن الله عز وجل خلق العباد في تفاوت فيما بينهم، فالناس يتفاوتون فيما بينهم في قدراتهم وعقولهم، فقد جعل الله عز وجل من الناس من هو غني ومنهم الفقير ومنهم القوي ومنهم الضعيف ومنهم من يجيد كذا وكذا من الأعمال هكذا الناس يتفاوتون، والناس بحاجة بعضهم لبعض، فإن الله عز وجل سخر الناس بعضهم لبعض ورفع بعضهم على بعض قال تعالى: (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في حياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعضهم درجات)، يعني منهم الغني ومنهم الفقير ومنهم القوي ومنهم الضعيف ومنهم كذا ومنهم كذا منهم المهندس ومنهم العامل منهم الفراش ومنهم الطبيب هكذا الناس يتفاوتون، والناس بحاجة بعضهم إلى بعض (ورفعنا بعضهم فوق بعضهم درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا) سخر الله هذا لهذا وهذا لهذا، فالغني يحتاج إلى خدم وعمال وهكذا، والفقير العامل يحتاج إلى مال الغني، فسخر هذا لهذا وهذا لهذا.
فالله حمد الدين كامل شامل صالح لكل زمان ومكان، راع سائر الجوانب، وغطى كل المطالب يعني مطلب البدن ومطلب الروح، وراع سائر الحقوق، وأعطى كل ذي حق حقه، فالإنسان ما يغلب جانب على جانب، مثلاً ما يغلب جانب العبادة على جانب المعاملة لا، وإنما يعطي كل ذي حق حقه، والنصوص كثيرة فيمن فرط في جانب المعاملة ولو كان مجتهداً في العبادة، ذكر رجل عند النبي عليه الصلاة والسلام إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال عليه الصلاة والسلام: (هي في النار)، وفي رواية قال: (لا خير فيها هي من أهل النار) كما عند أحمد من حديث أبي هريرة، بل ذكر عليه الصلاة والسلام أن هذا هو المفلس قال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم من حديث أبي هريرة: (أتدرون من المفلس، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: المفلس من أمتي من يأتي بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار)، إذاً لابد أن نراعي سائر الجوانب ما نهمل جانب، نهتم بالمعاملة بحسن الأخلاق مع الناس، (دخلت امرأة النار في هرة) في هرة دخلت النار كما في البخاري من حديث ابن عمر ربطتها حبستها سجنتها لا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ولا هي أطعمتها دخلت النار، ودخل رجل الجنة لأنه سقى كلباً، سقى كلباً دخل الجنة، ودخل رجل الجنة وغفر الله عز وجل له؛ لأنه نحى وأخر غصن شوك عن طريق المسلمين ألا يؤذي المسلمين.
إذاً نحن لابد أن نهتم في هذا الجانب وهو جانب مهم في غاية الأهمية، (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) حتى على حيوان، فكيف بالإنسان؟! فكيف بالمسلم؟! هؤلاء العمال والخدم يعني لابد أن نعاملهم معاملة طيبة وحسنة، لابد أن نرفق بهم ونرحمهم يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: (من لا يرحم لا يرحم)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، ولابد من الرحمة والشفقة بهم والإحسان إليهم، ونحذر غاية الحذر أن نظلم الخدم والعمال غاية الحذر، يقول عليه الصلاة والسلام كما في مسلم من حديث جابر: (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة)، وجاء في الحديث القدسي قال الله تعالى: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلت بينكم محرماً فلا تظالموا) لا تظلم أحداً احذر أيها العبد والله ثم والله لو دعا عليك لاستجاب الله عز وجل دعائه، جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس لما بعث النبي عليه الصلاة والسلام معاذ إلى اليمن قال: (إياك ودعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله)، قال: (فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) احذر، جاء في الحاكم من حديث ابن عمر (واتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كالشرارة)، وأيضاً ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اتقوا دعوة المظلوم فإنها تُحمل على الغمام يقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين)، حتى من الكافر لا تظلم الكافر ولو كان كافراً (اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً فإنه ليس دونها حجاب) كما روى أحمد من حديث أنس، وجاء عند الإمام أحمد وأبي وداود والترمذي من حديث أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن)، وذكر عليه الصلاة والسلام (دعوة المظلوم)، احذر أن تظلم عاملاً أو وخادماً.
ومن أعظم صور الظلم أن تهضم حقه، أن تأكل ماله، ألا تعطيه حقه، تبخس حقه احذر غاية الحذر يقول الله عز وجل: (يا أيها اللذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)، ويقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث حذيفة: (وأعطي كل ذي حق حقه) تعطيه قبل أن ينتهي من عمله جاء في ابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه)، وجاء أيضاً في الحديث أن الله تعالى قال: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة)، وذكر (ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره)، فإذاً احذر أن تظلم عاملاً أو خادماً.
وإذا أعطيت أجر هذا العامل فأنت يعني من المحسنين ذكر النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث ابن عمر فيمن كان قبلنا انطلق ثلاث يتماشون ممن كان قبلنا فأخذهم المطر، أصابهم المطر فآواهم المبيت إلى غار، فانحدرت صخرة من فوق الجبل فسدت عليهم الغار، صخرة كبيرة ما يستطيعون أن يدفعوها، فقالوا: أنه لا ينجيكم من هذه إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فالأول توسل إلى الله ببره بوالده، والثاني توسل إلى الله عز وجل بعفته من الزنا، والثالث هذا هو الشاهد توسل إلى الله بأمانته (ورجل أستأجر أجراء فأعطاهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب قال: فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاني بعد حين، قال: يا عبدالله أدِّ لي حقي، فقال: كل ما تراه يعني من الأموال لك، قال: يا عبدالله لا تستهزأ بي، كل ما ترى من الأموال من الإبل والبقر والغنم والرقيق، قال يا عبدالله لا تستهزأ بي، قال: لا أني لا استهزأ بك، قال: فأخذه كله فساقه ولم يترك منه شيئاً اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت، هكذا الصخرة انفرجت شيئاً فشيئاً، حتى ذكر الثالث يعني هذا العمل الصالح فانفرجت فخرجوا يتماشون.
إذاً أيها الإخوة ألا نظلم الخدم والعمال بأن نأكل أموالهم، وأيضاَ ألا نكلفهم فوق طاقتهم جاء في الصحيحين من حديث أبي ذر قال عليه الصلاة والسلام: (ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم)، وقبل ذلك قال: (إخوانكم خولكم)، يعني خدمكم (جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس) هكذا ما تكلفه فوق طاقته، ولا تحقره حتى لو كان كافراً أو حتى لو كان يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً أو بوذياً أو كذا وكذا، ما يجوز لك أن تأكل ماله ولا أن تكلفه فوق طاقته ولا أن تزدري منه ما يجوز، قال عليه الصلاة والسلام: (ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً يعني مالاً بغير طيب نفسه فأنا حجيجه يوم القيامة).
إذاً علينا أن نحسن المعاملة مع الخدم ومع العمال، فالنبي صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس أخلاقاً كان يحسن المعاملة يقول أنس كما في الصحيحين: (خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أوف قط، وما قال لي لشيء صنعته لما صنعته ولا شيء تركته لما تركته)، وتقول عائشة كما عند مسلم: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه شيئاً قط ولا امرأةً ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله) ما ضرب النبي عليه الصلاة والسلام، ولهذا في آخر الزمان النبي عليه الصلاة والسلام يقول كما عند مسلم من حديث أبي هريرة: (صنفان من أهل النار لم أرهما قال نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤسهن كأسنمة البخت لا يدخلون الجنة ولا يجدن ريحها)، وذكر الصنف الثاني (رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس)، فالحذر الحذر جاء في صحيح مسلم من حديث أبي مسعود الأنصاري يقول أبو مسعود الأنصاري البدري: كنت أضرب غلاماً لي، فإذا من خلف صوت يقول: (يا أبا مسعود لله أقدر عليك منك عليه)، فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول أبو مسعود الأنصاري البدري رضي الله عنه: لا أضرب مملوكاً بعده أبداً، وفي رواية قال: يا رسول الله هو حر لوجه الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو لم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار)، احذر من ظلم هؤلاء هذه الفئة العمال والخدم وهؤلاء الذين سخرهم الله عز وجل لك.
إذاً لابد أن نعاملهم معاملة طيبة، وأن نحسن المعاملة ما نتكبر عليهم قال عليه الصلاة والسلام: وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات التقوى ها هنا التقوى ها هنا التقوى ها هنا بحسب أمرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل مسلم على مسلم حرام دمه وماله وعرضه) رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة، إذاً الشاهد ما نظلم هؤلاء، ولا أيضاً نزدريهم ولا نحتقرهم؛ لأن الإنسان ما يدخل الجنة إذا كان في قلبه مثقال ذرة من كبر كما جاء في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود (لا يدخل الجنة من كان في قلبة مثقال ذرة من كبر)، احذر أن تعيِّر خادمك أو عاملك احذر أن تعيِّره لا تقول له يا ابن كذا وكذا، من قال كذا ففيه خصلة من خصال الجاهلية، فالإنسان يعني يعامل معاملة طيبة، ولنا في النبي صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة الحسنة في تعامله مع الخدم بارك الله فيكم وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين.
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ يعقوب البنا - حفظه الله
ﺑﺮﻣﺠﺔ: ﻓﺎﺋﻖ ﻧﺴﻴﻢ