الإعلانات

التواصل الاجتماعي

الأصل الثالث

  • April 3, 2020

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله. قال المصنف (رحمه الله تعالى): الأصل الثالث، إن من تمام الاجتماع السمعة والطاعة لمن تأمّر علينا ولو كان عبداً حبشيًا، فبيّن الله هذا بياناً شافياً كافياً بوجوهٍ من أنواع البيان شرعاً وقدرًا، ثم صار هذا الأصل لا يُعرف عند أكثر من يدّعي العلم فكيف العمل به.

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين.  بعد أن ذكر الأصلين، الأصل الأول: وهو الإخلاص ، العمل والدين لله يعني التوحيد، والأصل الثاني: الاجتماع في الدين وعدم التفرق، ذكر الأصل الثالث وهو السمع والطاعة لولاة الأمر. فقال: من تمام الاجتماع السمع والطاعة، يعني هذه الأصول في الحقيقة هي مترابطة بعضها مع بعض ما يتم أحد هذه الأصول إلا بالأخرى، يعني كما قال عمر(رضي الله عنه): “لا دين إلا بالجماعة ولا جماعة إلا بالإمامة ولا إمامة إلا بسمع وطاعة” كما قلنا ما تستطيع أن تقيم دينك وأن تظهر هذا الدين إلا بالجماعة، أما في حال الفوضى والناس في الفرقة متنازعين، الناس في تنازع وتناحر، ويقتل بعضهم بعضًا ، ويكفّر بعضهم بعضًا ، و يضلّل بغضهم بعضًا ، ويبدّع بعضهم بعضًا ، ما تستطيع أن تخرج من بيتك لتشهد الجمعة والجماعات!؟ فالدين قائم على الاجتماع، يعني ما تستطيع أن تأتي بدينك كما أمرك الله إلا بالجماعة ، كما قال عمر(رضي الله عنه): ” لا دين إلا بالجماعة ولا جماعة إلا بإمامة ولا إمامة إلا بسمع وطاعة”. وذكرنا أنّ من لم يتمسك بدينه ؛ إذا ما تمسكنا بديننا تفرقنا، لأن الدّين هو الذي يجمع ، وذكرنا الآيات ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إلى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ (الأنعام- 159). وقولنا الآية في ال عمران:﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (آل عمران_105). لماذا قال الله عزوجل مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ؟ يعني من بعد ما جاءهم العلم ، كما ذكر في آيه أخرى في سورة البينة﴿ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ (البينة_ 4)، جاءهم البينات جاءهم الرسل بالبينات وبالكتب ، جاءهم العلم ما أخذوا، ما عملوا بالعلم والبينات ، تركوا دين الله اختلفوا وتفرقوا وتنازعوا، فبالدين يكون الاجتماع، وما تستطيع أن تحقق التوحيد والدين إلا بالجماعة ، هكذا الأمور مترابطة بعضها مع البعض، وأيضًا لا دين إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمامة، الناس تتفاوت عقولهم وآرائهم ، كلٌ له رأي، لابد هناك من يرأسهم من يقودهم من يسوسهم هكذا من يجمعهم، أما هكذا الإنسان يعني برأيه وذاك برأيه وكلٌ يفعل ما يشاء تقع الفرقة فلهذا لا جماعة إلا بإمام وهذا الإمام يعني ما يكون إماما إلا بسمع وطاعة يعني ما يكون له الهيبة وهذا إلا بسمع وطاعة ، أما إذا خرجت على الإمام أيضا وقعنا في الفوضى ويختل الأمن وتصبح الفوضى في البلاد وبين العباد.

 فقال أن من تمام الاجتماع السمع والطاعة يعني الاجتماع يكون على ولاة الأمر،  فتنتظم مصالح الناس وشؤون الناس، هذا يعني الاجتماع على ولاة الأمر تنتظم المصالح الدنيوية، وهكذا أيضًا الاجتماع والالتفاف حول العلماء، أيضا الإنسان يأخذ الدين الصحيح من ورثة الأنبياء هم العلماء فهكذا تحقق الدين والدنيا. فلهذا ذكر عبد الله بن سهل التستري(رحمه الله) يعني: ” لا يزال الناس بخير ما عظّموا هذين”  يعني السلطان والعلماء، فإن عظّموا هذين أصلح الله دينهم ودنياهم ، وإن استخفوا بهذين أفسدوا دنياهم ودينهم ، فلابد من الاجتماع على ولي الأمر بالسمع والطاعة، فنبّه؛ قال السمع والطاعة فالطاعة ما تكون إلا بسمع ، يعني أنت لو سمعت إلى من يبغض السلطان، وما سمعت للسلطان يعني إلى الحاكم ولي الأمر ، سمعت إلا من يبغض السلطان ، وأعطيت أذنك لأهل البدع ودعاة السوء الذين يحرضون الناس على ولاة الأمر، فتجد من نفسك أنك انجرفت معهم، فلابد أن تعطي سمعك لولي أمرك، تسمع منه ما تسمع من أعدائه ومن مبغضيه، لا ، السمع تسمع لولاة الأمر وتطيع.

وقال: لمن تأمّر عليكم، طبعًا الطاعة المقصود بالمعروف إنما الطاعة بالمعروف يعني كما أخبر النبيﷺ :” لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق” هذا المقصود من السمع والطاعة ، يعني من طاعة ولي الأمر في طاعة الله وفي أمر مباح، لا في ما حرم الله ، وأيضًا لو أمرك ولي الأمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة في هذه المعصية فقط ، وله السمع والطاعة في سائر الأمور واضح، يعني هذا ما يجعلك أنك تنزع  يد الطاعة ، لا ، لكن في هذه المسألة نعم. مثلا فلنضرب مثل: أبوك أمرك بأمر محرم ، ما أسمع له لأن هذا محرم؛ لأن هذا يسخط رب العالمين، لكن له السمع والطاعة في سائر الأمور، فالولد لابد أن يحترم أباه ، وأن يسمع له وأن يطيع ، وهكذا بالنسبة لولي الأمر، تسمع له وتطيع في طاعة الله ، إنما الطاعة بالمعروف، وقال: السمع والطاعة لمن تأمّر علينا ولو كان عبد حبشيا يعني مهما كان هذا ولي الأمر يعني لو كان ليس أهلا للولاية، لو كان عبداً حبشيًا، وهذه الكلمة كما جاء في الحديث العرباض بن سارية قال: ” أوصيكم بتقوى الله وسمعة والطاعة وإن تأمر عليكم عبداً حبشيا” وفي بعض الألفاظ الحديث “كأنّ رأسه زبيبة” كما جاء في البخاري ” اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبدٌ حبشيٌ كأنّ رأسه زبيبة ” يعني تسمع وتطيع ولو كان هذا ولي الأمر ليس أهلاً للولاية ، ولو كان عبداً حبشيًا، يعني البعض يقول ليس في عنقه السمع ولا الطاعة ولا بيعة لمن أخذ الولاية قهراً بالغلبة ، لا ، قد يعني يأخذ رجل الولاية بالقهر بالغلبة إذا مسك زمام الأمور واستتب له الأمر، فله السمع والطاعة ، والبعض يقول ليس السمع والطاعة إلا للإمام الأعظم يعني للخليفة، والآن انقسمت البلاد الإسلامية إلى دويلات كثيرة، بل النبي ﷺ لما بعث سّرية قال “من أطاع الأمير فقد أطاعني” تسمع وتطيع لولي الأمر، للحاكم ،  قال: فبيّن الله هذا بياناً شافياً  كافياً بوجوه من أنواع البيان شرعاً وقدرًا، الله عزوجل بيّن في كتابه والنبي ﷺ بيّن في سنته بياناً شافياً كافياً وافياً. في القرآن قال الله عزوجل ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ…﴾ (النساء_59)  قال أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ما قال: وأطيعوا أولي الأمر قال وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ من غير كلمة وأطيعوا، لأن طاعة ولاة الأمر مقيّدة بطاعة الله ورسوله، يعني ما تطيع في معصية الله، والمراد بأولي الأمر في الآية العلماء والحكام ، فالنبي ﷺ أيضاً بيّن هذه المسألة وهذا الأصل بياناً شافياً في أحاديث كثيرة كما في قوله “على المرء المسلم السمع والطاعة في ما أحبّ وفي ما كره إلا أن يؤمر بمعصية” وقال عبادة بن صامت (رضي الله عنه) قال: “بايعنا النبي ﷺ على السمع والطاعة في العسر واليسر و المنشط والمكره وعلى أثرةٍ علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله” وقال أيضًا النبي ﷺ : ” تلزم جماعة المسلمين وإمامهم” وهكذا جاءت الأحاديث في النهي عن ضدّ هذا ،  يعني النهي عن نزع يد الطاعة، هذا أمر محرم بل شدّد النبي ﷺ ” ولا تنزع يدًا من طاعة” وقال ﷺ : ” من خلع يد الطاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً الجاهلية” وقال ﷺ : ” من خرج من الطاعة وفارق الجماعة ثم مات، مات ميتة جاهلية ” لأن أهل الجاهلية لا يرون السمع والطاعة يعني يرون أن السمع والطاعة لولي الأمر مهانة ومذلّة، يعني سبحان الله شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب (رحمه الله) ذكر في مسائل الجاهلية هذه المسألة يعني أن الكفار لا يرون السمع والطاعة لولاة الأمر يرون أن في السمعة والطاعة مذلة ومهانة، فمن خرج عن ولي الأمر ففيه خصلة من خصال أهل الجاهلية، والشيخ محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله) ذكر في المسائل الجاهلية وبدأ بضد هذه الأصول الثلاثة يعني ذكر من مسائل الجاهلية المسألة الأولى الشرك الذي هو ضد الإخلاص؛ إخلاص العمل لله، وذكر التفرق، وذكر أن أهل الجاهلية يرون أن السمع والطاعة مذلّة ومهانة، فهذه الأصول مترابطة كما ذكر هنا ، وذكر في مسائل الجاهلية بضدّ هذه الأصول أنها من خصال أهل الجاهلية. والنبي ﷺ جمع هذه الأصول في بعض الأحاديث كما قال ﷺ كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة (رضي الله عنه): ” إن الله يرضى لكم ثلاثًا أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، (هذا هو الأصل الأول)، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا (هذا هو الأصل الثاني)، وأن تناصحوا من ولّاهُ الله أمركم (هذا هو الأصل الثالث). وفي حديث آخر قال ﷺ :” ثلاثٌ لا يغلّ عليهن قلب امرئ مسلم (يعني ثلاث خصال) قال إخلاص العمل لله ومناصحة أئمة المسلمين أو من ولّاه الله أمركم( كما في لفظ آخر) ولزوم الجماعة”. فهذه الأصول جاءت مشتركة ولهذا قال رحمه الله بوجوه من أنواع البيان شرعاً يعني في الكتاب والسنة يعني في الأدلة الشرعية ، وقدراً يعني ما نراه ونشاهده ونعاينه في الواقع من هذه الأحداث والوقائع في نتائج الاجتماع وآثار الاجتماع ، وكذلك ما نراه ونشاهده من آثار الفرقة والاختلاف والتنازع ، آثار الاجتماع نرى أثر الاجتماع والسمع والطاعة والالتفاف حول ولاة الأمر من الأمن والأمان وكثرة الخير والنعم وازدهار البلاد، ونرى الوقائع والحوادث من جرّاء التفرق والاختلاف على ولاة الأمر؛ فدماء سفكت، وأرواح زهقت ، وأموال سلبت ، وأناس شرّدوا ، وبيوت هدّمت ودمّرت، وأعراض انتهكت ، فساد عريض في البلاد وبين العباد. قال فبين الله هذا بياناً شافيا كافيا بوجوه من أنواع البيان شرعًا وقدرًا، على مرّ التاريخ وعبر السنين لا خير في الخروج، هم أرادوا تحسين المعيشة لكن ساءت معيشتهم بالخروج ، وهم يتكلمون باسم الدين ويريدون الدنيا ، منهم من يريد الكراسي، ومنهم من يريد المناصب ، ومنهم من يريد كذا وكذا ، ويطالبون هذا باسم الدين وهم في الحقيقة يريدون الدنيا ، وهذا هو شأن الخوارج منذ قديم ، أول من خرج ، خرج من أجل المال من أجل القسمة، قال اعدل يا رسول الله  قال: ” ويلك من يعدل إن لم أعدل خبت وخسرت إن لم أكن أعدل”.

ثم صار هذا الأصل يعني السمع والطاعة لا يُعرف عند أكثر ، هناك من يعرف هذا الأصل، قال يعني هم العلماء الذين يعرفون ، العلماء الربانييون الراسخون في العلم هم يعرفون هذا الأصل، ثم صار هذا الأصل لا يُعرف عند أكثر من يدّعي العلم ، ما قال أكثر أهل العلم قال من يدّعي العلم يعني هم ليسوا من أهل العلم ، وإنما نسبوا إلى العلم زورًا وبهتانا ، تصدروا للناس، ولبسوا ثوب العلم من باب الزور، فهؤلاء هم دعاة الفتنة وعلماء السوء وأنصاف المتعلمين، فإذا ما يعرفون هذا الأصل فكيف بالعمل؟!! العمل ما يقوم إلا بالعلم وإلا كان ضلال، والنصرى ضلّوا ، فإذا كان ما يعرفون هذا الأصل العظيم فكيف يعملون به، فالعمل ما يقوم إلا على العلم والبصيرة، فالشاهد أن الناس لما تركوا دين الله وتركوا النصوص الشرعية من كتاب وسنة، والله لو فتحوا صحيح مسلم،  وقرؤوا باب الإمارة لوجدوا السمع والطاعة، يعني في هذا الكتاب فيه أحاديث كثيرة لكنّ الهوى ، تجدهم يجعلون هذا الأحاديث في الإمام الأعظم، وفي الإمام الصالح وكذا وكذا يؤولون ويتبعون أهواءهم ، نسأل الله عزوجل أن يقيينا الفتن وأن يقي هذه البلاد الفتن ما ظهر منها وما بطن، بارك الله فيكم وصلى الله على نبينا وعلى صحبه أجمعين.