الإعلانات

التواصل الاجتماعي

الأصل الثاني

  • April 3, 2020

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله. قال المصنف (رحمه الله): الأصل الثاني: أمر الله بالاجتماع في الدين، ونهى عن التفرق فيه، فبين الله هذا بيانًا شافياً تفهمه العوام، ونهانا أن نكون كالذين تفرَّقوا واختلفوا قبلنا فهلكوا، وذكر أنه أمر المسلمين بالاجتماع في الدين ونهاهم عن التّفرُّق فيه، ويزيده وضوحاً ما وردت به السُّنَّة من العجب العجاب في ذلك، ثم صار الأمر إلى أنَّ الافتراق في أصول الدين وفروعه هو العلم والفقه في الدّين، وصار الاجتماع في الدّين لا يقوله إلا زنديقٌ أو مجنون.

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدً عبده ورسوله صلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فلما ذكر الأصل الأول وهو إخلاص الدين لله تعالى وحده لا شريك له، يعني بقي علينا أن نتمسك أيضًا هذا هو الأصل الثاني أن نتمسك بالإخلاص وبدين الله عز وجل الذي فيه التوحيد والإخلاص، نتمسك به ونجتمع عليه. فقال الأصل الثاني: أمر الله بالاجتماع في الدين ونهى عن التفرق فيه، فالأمر أولاً: يفيد ويقتضي الوجوب هذا هو الأصل في الأمر ، أنّه يقتضي ويفيد الوجوب لقوله تعالى:﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾(الفرقان-63) إلا إذا وُجِد صارفٌ ، يصرف هذا الأمر من الوجوب إلى الاستحباب فنعم حينئذٍ إذا كانت هناك قرينة يعني تصرف هذا القرينة هذا الأمر من الوجوب الى الاستحباب فنعم، وإلا فالأصل في الأمر أنه يفيد الوجوب وأيضًا النهي، الأصل في النهي أن النهي يقتضي التحريم  ويفيد التحريم هذا الأصل في النهي، إلا إذا كان هناك صارفٌ يصرف هذا النهي من التحريم إلى الكراهة ، وإلا فالأصل في النهي يعني التحريم ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (الحشر_7) وقال النبي ﷺ: “وما أمرتكم به من شيء فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه” إذًا الأمر يفيد الوجوب إذا لم يكن هناك صارفٌ، هذا أيضًا مقيّد بالاستطاعة والقدرة، لأن الله عز وجل قال ﴿… فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ…﴾ (التغابن_16).

  والنبي ﷺ قال: “وما أمرتكم به من شيءٍ فأتوا منه ما استطعتم” هذا هو الأصل في الأمر أنه يفيد الوجوب، والأصل في النهي أنه يفيد التحريم، فأمر الله بالاجتماع في الدين أن نتمسك بديننا بالتوحيد والسنة وأن نجتمع على الحق هذا هو المقصود. وتجد أن الآيات متظافرة ظاهرة بيّنة ؛ كما قال المصنف (رحمه الله): فبيّن الله هذا بياناً شافياً يعني الأمر بالاجتماع في الدين ونهى عن التفرق فيه بياناً شافياً يعني شافياً كافياً وافياً يعني ما يلتبس على أحد حتى قال تفهمه العوام ، حتى العوام يفهمون هذا فضلاً عن طلبة العلم، فضلاً عن العلماء ، فضلا عن الراسخين في العلم الجهابذة يعني فضلا عن المجتهدين ، فالعوام يفهمون هذا إذا قرؤوا كتاب الله يجدون هذا الأمر وهذا النهي يعني الأمر بالاجتماع والنهي عن التفرق يعني قال الله عز وجل: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا…﴾ (آل عمران-103) هنا في هذه المسألة يعني في هذا الأصل كالأصل الأول لمّا ذكر الإخلاص ذكر ضدّ الإخلاص وهو الشرك، وهنا لمّا ذكر الاجتماع  ذكر ضدّ الاجتماع وهو التفرق ، يعني أمر بالاجتماع ونهى عن التفرق. وكما قلنا وبضدها تتبين الأشياء، فأمر ربنا جلا وعلا بالاجتماع ونهانا عن الفرقة. وما يكون الاجتماع إلا بالابتعاد عن الفرقة، والفرقة ما تكون بالاجتماع ، يعني إذا رأينا أناس متفرقين يعني هؤلاء لم يجتمعوا ، ما اجتمعوا ، لكنهم قد يجتمعون على الباطل مثلا قد يجتمعون على الحق لمحاربتهم مثلا، لكن المقصود إذا تفرقوا يعني أنهم لم يجتمعوا على الحق. قال الله جل وعلا﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ (آل عمران_103) يعني هذه نعمة الاجتماع نعمة من الله فالاجتماع ومنة نعمة من الله عز وجل وحده دون سواه ، فالحمد في الحقيقة لله وحدة أولا وآخرا وظاهرا وباطنا ثم قال تعالى: ﴿ وما بكم من نعمة فمن الله ﴾ وقال: ﴿ وأسبغ عليكم نعمه ظاهرةً وباطنة ﴾ وقال: ﴿ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ﴾ فهذه نعمة من الله نعمة الاجتماع ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ هذه نعمة من ربنا جلا وعلا . ﴿ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ بعد أن كنتم متفرقين جمعكم الله على هذه نعمة من الله وحده هو الذي يجمع القلوب، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلّبها كيف يشاء، يعني الأوس والخزرج كانوا في الجاهلية يعني في حروب طاحنة وعداوة شديدة من الذي زرع هذه العداوة والكراهية بينهم؟ ومن الذي أشعل نار الفتنة ونار الحرب بينهم؟ اليهود الذين يفسدون في الأرض، لكن الله عز وجل بعث محمد ﷺ رحمةً، فجمع به هؤلاء، جمع الأوس والخزرج فأصبحوا بنعمة الله إخوانًا. قال النبي ﷺ للأنصار “يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألّفكم الله بي (أي جمعكم الله بي)، وكنتم عالة أي(فقراء) فأغناكم الله بي، وكلما قال النبي ﷺ شيئًا، قالوا الله ورسوله أمنْ . فهذه نعمة من الله جلّ جلاله يعني يجمع القلوب، ولهذا قال ربنا جلّ جلاله في كتابه ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (الأنفال_63) ربنا جل وعلا هو الذي يجمع القلوب كما قلنا القلوب بيد الله عز وجل، فالهداية بيد الله عز وجل. النبي ﷺ يوجّه ويدلّ المسلمين إلى الحق إلى الخير لكن القلوب بيد الله ، الله عزوجل هو الذي جمع هؤلاء بالنبي ﷺ. في الاجتماع القوة والعزة والنصر والتمكين والمنعة، والعكس ؛ فبالفرقة الذلة والضغف والهوان والفشل والخيبة والخسران والهلاك، تأمل يعني ربنا تعالى قال في كتابه ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (الأنفال_26) يعني في التفرق الضعف والشتات، ولهذا ربنا جل وعلا قال أيضًا:      ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (الأنفال_46) فالاجتماع قوة ، وكما قلنا يعني في الاجتماع العزة و المنعة أمّا في التفرق الضعف والهوان. ولهذا ربنا جلّ وعلا حذرنا أن ننحى منحى أهل الكتاب وأن نسلك سبيل أهل الكتاب ، قال ربنا جلّ وعلا﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ (الأنعام- 159) وقال تعالى ﴿ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴿31﴾ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ (الروم_ 31-32) وقال ربنا جلّ وعلا﴿…أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ…﴾ (الشورى-13) أي تتمسك بالدين ﴿وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ وهناك في آية الروم قبلها قال﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴿31﴾ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ (الروم_ 31-32) فالشاهد التمسك بالدين يجعلنا مجتمعين وترك الدين يجعلنا متفرقين واضح إذا تمسكنا.

ولهذا لمّا قال الله تعالى ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران_103) والآية ثم ذكر﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾ (ال عمران_104) هذه الآية ثم قال ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (ال عمران_105) يعني افترقوا بعد أن جاءهم البينات، وفي الآيات الأخرى من بعد ما جاءهم العلم ﴿ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ (الشورى_14) فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم، لما عرفوا ، ثم خالفوا ماعرفوا ؛ افترقوا، لو عملوا بما علموا ، بما جاءهم من البينات وبما جاءهم من العلم ، لو عملوا وتمسكوا به يعني تمسكوا بالدين لو تمسكوا بالدين لاجتمعوا لكن لما تركوا الحق تركوا البينات تركوا العلم الذي جاءهم من الأنبياء افترقوا، فالتمسك بالدين من أعظم أسباب الاجتماع ، وترك التمسك بالدين من أعظم أسباب الفرقة هذا هو. قال الله تعالى ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ (ال عمران-105). والنبي ﷺ بيّن هذا ” إنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم” لماذا؟ لأن في أول الحديث ماذا قال؟ قال: ” وما أمرتكم به من شيء فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنهذذ فاجتنبوه” فهم لما أمرهم كذا و كذا ونهاهم عن كذا و كذا ، بدأو يجادلون ويكثرون الأسئلة ، فهذا من أسباب الاختلاف ومن ثَم الهلاك ” إنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم” لماذا يسألون لأنهم ما يريدون أن يمتثلوا أمر نبيهم ، ولا يريدون أن ينتهوا عما نهاهم يريدون الوقوع في ما حرم الله ، فيكثرون من الأسئلة فوقع الاختلاف ثم الهلاك. كما قلنا الآية التي مرت بنا ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (الأنفال_46) لو أطاعوا الله ورسوله لما تنازعوا وما فشلوا. والرجوع في الحقيقة عند الاختلاف إلى كتاب الله وإلى سنة النبي ﷺ في كل المسائل ، في أمر الدنيا  و الدين يعني إذا كان هناك خلافات بيني وبينك في الأموال وفي كذا وكذا نرجع عند القاضي الذي يقضي بكتاب الله وبسنة النبي ﷺ بفهم الصحابة ومن بعدهم ومن سار على دربهم ، لأن الله عزوجل يقول ﴿وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله﴾ ولأن الله عزوجل يقول ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ (النساء_ 59) وهكذا في الآيات كثيرة الله جل وعلا يقول ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (النساء_ 65) ويقول تعالى ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ (الأحزاب_36)، فالرجوع إلى الكتاب و إلى السنة عند الاختلاف ؛ لأن هذا يحسم الخلاف والاختلاف ؛ فلا فرقة بعد ذلك إذا رجعنا الى كتابنا وتمسكنا به ، إذا تمسكنا بديننا ما نختلف ، هكذا نرجع ونحكّم شرع الله في ما بيننا ، فنرجع في المسائل الدينية يعني في أمر العقيدة والمنهج والفقه، إلى كتاب الله و إلى سنة النبي ﷺ حتى الأمور الدنيوية يعني نطبق شرع الله ونحكّم شرع الله. لكن هناك من الاختلاف يعني ما يسوغ الاختلاف فيه و الاجتهاد فيه، يعني في المسائل الاجتهادية و ليس فى المسائل الخلافية، يعني هناك فرق يعني المسائل الاجتهادية يسوغ الخلاف في هذه المسائل ، يعني مثلاً قراءة الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية ، هذه مسألة اجتهادية يسوغ الخلاف في هذه المسألة ؛ لأن هذا الخلاف في يعني الصدر الأول والزمن الأول واضح إلى اليوم هذا الخلاف، أما هناك أمور واضحة ، يعني تجد من يطلب مثلاً المدد من النبي ﷺ هذا ما يجوز ، هذا أصلاً ما يسوغ الخلاف في هذه المسألة ، ما يجوز أصلا أن نختلف في هذا المسألة، الأمر واضح ما يجوز دعاء الميت، هكذا ونعلم من هنا يعني هناك قاعدة أصّلها وقعّدها بعض المنظّرين يعني قال: نتعاون في ما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضا هذا خطأ، لماذا؟ لأن لو قلنا بهذه القاعدة ؛ يعني هدمنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهدمنا النصيحة وهدمنا الرد والبيان، إذا أخطأ فلان نردّ عليه ونبيّن الحق لعلّه يرجع إذا رأينا مثلا منكر نرد، هذه قاعدة تدعو إلى ماذا؟ أن يجامل بعضنا بعضا ، وأن يداهن بعضنا بعضا ، وأن يسكت بعضنا عن بعض ولا نختلف، نتعاون في ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا في ما اختلفنا فيه، حتى لو اختلفنا في أمر العقيدة ما عليه نسكت ؛ لماذا؟!! لأننا نواجه العدو الفلاني يعني اليهود على زعمهم، طيب هم أصلاً وضعوا أيديهم في أيدي اليهود، الآن تجد بعض منهم يدعو إلى حرية الأديان ، وإلى حوار الأديان بل ما كفّروا هؤلاء اليهود والنصارى!! هم يقولون إنهم إخواننا ، هؤلاء لهم دين ولنا دين، قلبوا الآية ومعنى الآية هكذا يكون ؟!! وهذا خطأ، الخطأ لو صدر ممن صدر يردّ ، ولا يتابع هذا العالم في هذا الخطأ، لكن إذا كان عالماً سنّياً سلفياً يعني يتبع الحق و يتبع الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح له الكرامته لكن ما يتبع في خطئه يبين هذا الخطأ ، وله كرامته ، وله مكانته ، وما ننقص في مكانته ومنزلته، أما إذا ظهر الخطأ من المبتدع يدعو إلى بدعة يدعو إلى عقيدة منحرفة نعم يردّ هذا الخطأ ، ويبين ويحذّر من صاحب هذا الخطأ واضح ، ولا كرامة له ؛ لأنه صاحب بدعة ولابد أن نفرّق بين هذه الأمور.

وأيضًا السنّة قال المصنف (رحمه الله) ونهانا أن نكون كالذين تفرقوا واختلفوا من قبلنا فهلكوا وذكر أنه أمر المسلمين بالاجتماع في الدين ونهانا عن التفرق فيه ويزيد به وضوحا ما وردت به السنة من العجب العجاب في ذلك، يعني السنة تظافرت أيضًا “يد الله مع الجماعة” قال رسول الله ﷺ : “عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة” قال ﷺ : “الجماعة رحمة والفرقة عذاب” قال ﷺ : ” تلزم جماعة المسلمين و إمامهم” قال ﷺ : ” عليكم بالجماعة وإن الشيطان مع الواحد وهو مع الاثنين أبعد ومن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة”

وقال النبي ﷺ : “عليكم بالجماعة فإنما الذئب يأكل من الغنم القاصية” ولما ذكر النبي ﷺ البركة في الثلاث ، ذكر الجماعة ، وذكر السحور ، وذكر الثريد ، وذكر في بعض الأحاديث الكيل ،       و ذكر الجماعة، كما قلنا في الجماعة بركة القوة والعزة والمنعة، الأحاديث كثيرة في هذا، وكل ما يؤدي إلى الاجتماع حثّ عليه الشرع ، وكل ما يؤدي إلى التفرق نهانا عنه الشرع في الكتاب والسنة، فالنبي ﷺ بيّن: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا” وقال: “مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى”. وبيّن ما يقوّي هذا الاجتماع وما يقوّي الرابطة بين المسلمين ، والعلاقة والصلة بين المسلمين ، ولهذا قال النبي ﷺ :” من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته” ، هكذا يحثّ النبي على تقوية العلاقة والرابطة والصلة ، وقال: ” الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه” وقال: “من نفّس عن مؤمن كربةً نفّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة” وهكذا ، قال: “كونوا عباد الله إخوانا” وقال: “المسلم أخو المسلم” وقال: ” لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحب لنفسه”. ونهانا عن كل سبب يؤدي إلى التفرق ، ولهذا قال ﷺ : ” لا تحاسدوا ولا تناجشوا” لماذا ؟ لأن الحسد يولّد البغضاء ثم الشحناء ثم التفرقة وقال: ” لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض” هذه الأمور وهذه الخصال كل هذه يؤدي إلى الفرقة وفي الرواية “ولا يخطب أحدكم على خطبة أخيه” وقال: “المسلم أخ المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ” وفي رواية “ولا يكذبه ولا يحقره” وقال النبي ﷺ: “التقوى هاهنا ويشير إلى صدره بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم” لماذا قال: ولا يحقره؟ لأنك إذا احقرته و ازدريته سيكون هناك الفجوة والفرقة بينك وبين أخيك، وقال: ” كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه” هذا مما يفرق أن يتعدي على دمه وماله وعرضه، فنهانا عن كل ما يؤدي إلى الافتراق ، وأمرنا بكل ما يؤدي إلى الاجتماع. يعني تأمل في كتاب الله عزوجل سورة الحجرات قال تعالى في بدايتها: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ﴾ من أعظم مما يفرق بين المؤمنين وبين المسلمين القتال والشجار والخصام قال الله عزوجل: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الحجرات-9) يعني تخيّل من أعظم الخصال و الأعمال الإصلاح بين الاثنين، قال ﷺ :” ألا أخبركم بأفضل من الصيام والصدقة والصلاة قلنا بلى قال ﷺ: إصلاح ذات البين”  وفي مقابل هذا من يمشي بين الناس بالنميمة، من شر الناس وشر العباد الذي يفرّق بين الأحبة الذي يمشي بين الناس بالنميمة ، يفرق بين هذا وهذا ، لا يدخل الجنة قتّات ، شرّ الناس كما بيّن النبي ﷺ. قال الله عزوجل: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾  (الحجرات_10) تأمل هذه الخصال ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ ﴾ لأن السخرية تفرق توغر الصدور ﴿ لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ﴾  قال ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ انظر كأنه شيءٌ واحد مع أنك تلمز أخاك المسلم وقال في آية أخرى ﴿..وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ…﴾ (النساء_ 29) يعني لا يقتل بعضكم بعضا ، وأيضًا من معاني هذه الآية لا تقتلوا أنفسكم لا تنتحروا ولا تقتلوا بعضكم بعضا، وقال الله عزوجل في آية أخرى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ…﴾ (النساء_29) قال أموالكم كأن الأموال لك يعني كأنه شيءٌ واحد أنت مع أخيك فلان وفلان ، لأن المؤمن للمؤمن كالبنيان مثل الجسد، وقال الله عزوجل ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (الحجرات_11)وقال ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ لماذا؟ لأن هذا مما يفرق ﴿ وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ هذا أيضًا مما يفرق﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ هذا أيضًا مما يفرق ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ وقال ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات- 13) لماذا قال إن أكرمكم عند الله أتقاكم؟ يعني لا تتفاخروا بعضكم على بعض ، لا تتفاخروا بعضكم على المال أو بالجسد أو بالنسب وقبيلة كذا وكذا يعني الميزان و المعيار عند الله هو الإيمان والعمل الصالح، فالسنة مليئة بهذه النصوص التي تبين الاجتماع وعدم التفرق. أمرنا النبي ﷺ أن نجتمع على الطعام نهانا أن يسافر أحدنا لوحده نهانا أن ينام رجل لوحده ، يعني النصوص كثيرة تدل على الاجتماع وعدم التفرق.

ثم قال: صار الأمر إلى  الافتراق في الأصول الدين وفروعه هو العلم والفقه في الدين، انقلبت الأحوال ، وانتكست الأمور صار الافتراق في الأصول العلم وفروعه ، هو الفقه والعلم يعني ومن أمر بالاجتماع ونهى عن التفرق هو المتشدد هو زنديق والمجنون كما ذكر المصنف (رحمه الله) هكذا يلقبونهم بهذا الألقاب من باب التنفير ، والتلبيس على الناس هكذا ينفرون الناس من الحق، كما قال الله عزوجل لما ذكر في سورة المطففين: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ*وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ* وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ* وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ* وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ* فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ﴾ (المطففين_29-34) يعني انقلبت الأمور هكذا أهل الباطل يلبّسون على عوام الناس ، فلابد للناس أن ينتبهوا لأهل الأهواء والباطل وأهل البدع ، والبدعة مقرونة بالفرقة ؛لأنهم تركوا الكتاب والسنة هكذا. يعني ابن عباس (رضى الله عنه)  لما فسّر قول الله تعالى (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوه﴾  (ال عمران_ 106) قال وجوه أهل السنة تبيض ووجوه أهل البدع تسود ؛ لأنهم تركوا الكتاب والسنة، نسأل الله عزوجل على أن يحيينا على السنة وأن يميتنا على السنة، بارك الله فيكم وصلى الله على نبينا محمد وعلى صحبه أجمعين.