الإعلانات

التواصل الاجتماعي

الدرس الأول (المقدمة)

  • November 25, 2020

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فيسر إخوانكم في مدينة الجديدة بالمملكة المغربية، أن يستقبلوا هذا الاتصال ضمن سلسلة الاتصالات الهاتفية والتي يكون ضيفها في هذه الليلة فضيلة الشيخ أبي سعيدٍ يعقوب البنا حفظه الله من دولة الإمارات العربية المتحدة حرسها الله وسائر بلاد المسلمين.

والآن مع الدرس الأول لشرح متن القواعد الاربع، للإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله

* قال المصنف رحمه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة. وأن يجعلك مباركاً أينما كنت، وأن يجعلك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر وإذا أذنب استغفر فإن هؤلاء الثلاثة عنوان السعادة*

التعليق:

الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:

فهذه الرسالة رسالةٌ عظيمة في معرفة التوحيد ومعرفة الشرك مع صغر هذه الرسالة، لكنها مفيدة في باب معرفة التوحيد ومعرفة الشرك، فلهذا ينبغي على كل مسلمٍ ومسلمة الاعتناء بهذه الرسالة ولاسيما طلّاب العلم.

فهذه الرسالة تضمّنت أربع قواعد، فمن عرفها وفهمها وضبطها استطاع أن يفرق بين التوحيد والشرك،

فمعرفة التوحيد والإتيان به من أوجب الواجبات وأهم المهمات، وكذلك معرفة الشرك واجتنابه من أوجب الواجبات وأهم المهمات.

فالمصنف رحمه الله استقرأ النصوص واستنبط منها هذه القواعد العظيمة ودلل عليها، هكذا ينبغي على المسلم أن يستدل أولاً ثم يعتقد، أي يبني عقيدته على الكتاب والسنة، أما أهل البدع والأهواء فإنهم يعتقدون أولاً ثم يبحثون عن الأدلة فلا يجدون ما يوافق قولهم ومذهبهم، أتدرون ماذا يصنعون؟ يلوون أعناق النصوص إلى ما يذهبون إليه فيحرفون النصوص ويضعفون الأحاديث أو يصححونها؛ لأجل أن توافق أهواءهم الفاسدة.

قال المصنف رحمه الله: *بسم الله الرحمن الرحيم*

بدأ المصنف رحمه الله بالبسملة مقتدياً بكتاب الله ومتأسياً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

أيّ: لما كتب النبي صلى الله عليه وسلم البسملة في الكتب التي أرسلها للملوك يدعوهم إلى الإسلام.

فالبسملة: فيها الاستعانة. وطلب العون من الله تعالى، فالباء باء الاستعانة، أيّ: أبدأ مستعيناً به جل وعلا طالباً عونه وتوفيقه راجياً بركة اسمه، والجار والمجرور متعلقان بمحذوفٍ مقدر، بالنسبة للمصنف هذا المحذوف المقدر أكتب باسم الله بحسب الفاعل إن كان الفعل تصنيفاً وتأليفاً يكون التقدير بسم الله أكتب أو أصنف، وإن كان قراءة فالتقدير بسم الله أقرأ، وإن كان دخولاً فالتقدير بسم الله أدخل وهكذا، إن كان أكلاً فالتقدير بسم الله آكل، وأُخر الفعل المقدر المحذوف تبركاً باسمه جل وعلا، وتقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر. كان الذي ينبغي أن يكون أكتب باسم الله أو أقرأ بسم الله، لكن الفعل المقدر أُخِّر:

أولاً: تبركاً باسمه جل وعلا.

ثانياً: إن تقديم ما حقه التأخير يُفيد الحصر.

*بسم الله* لفظ الجلالة هو الاسم العلم على الله لا يُسمى به غيره، وسائر الأسماء تتبع هذا الاسم، فمعنى لفظ الجلالة ذو الألوهيّة والعبوديّة، يعني معنى الله المألوه المعبود بحق حباً وتعظيماً.

الرحمن وصفه والرحيم فعله، الرحمن على وزن فعلان كغضبان، وهذه الصيغة تدل على السعة والامتلاء، فالرحمن أي ذو الرحمة الواسعة، كما قال الله تعالى: (ربكم ذو رحمةٍ واسعة)، وقال: (ورحمتي وسعت كل شيء)، وقال: (كتب ربكم على نفسه الرحمة)، وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه ورحمتي سبقت غضبي، فالرحمن وصفه جل وعلا، فرحمته عامة وسعت جميع الخلق المؤمن منهم والكافر خلقهم الله عز وجل ورزقهم وأرسل إليهم الرسل ولم يتركهم هملا.

أمّا الرحيم فعله، أيّ ذُو الرحمة الواصلة، والرحيم خاصٌ بالمؤمنين قال الله تعالى: (وكان بالمؤمنين رحيما) فيُوصِل الله تعالى رحمته لمن يشاء من عباده.

قال المصنف: *أسأل الله الكريم رب العرش العظيم*

بدأ المصنف رسالته بمقدمة عظيمة وقبل أن يدخل في ذِكر القواعد ابتدأ مقدمته بدعاء عظيمٍ لقارئ الرسالة. ولكل من يطلب الحق ويريد أن يتعلم دينه وعقيدته.

فالمصنف دعا الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، قال أن يتولاك في الدنيا والآخرة، فالمصنف دعا للقارئ لقارئ رسالة بكاف الخطاب، كأن القارئ قريبٌ منه وهو قريبٌ من القارئ يخاطبه ويدعو له، فدعا لك بربوبيته جل وعلا وألوهيته أن يتولاك في الدنيا والآخرة، هذه الدعوة عظيمة ودعوة مباركة، وهذه الدعوة من أهم الدعوات وأحسن الدعوات؛ لأنَّ هذا هو المقصد، وما سبق توسل إلى الله تعالى.

*أسأل الله الكريم رب العرش العظيم* هذا توسل.

*أن يتولاك في الدنيا والآخرة* المقصد والهدف من هذه الدنيا أن يتولاك الله، فإذا تولاك الله فزت في الدارين، في الدنيا حفظك الله من كل سوء ومن كل مكروه، حفظ الله عز وجل لك مالك وأهلك وعملك وحفظ لك سمعك وبصرك، إذا تولاك الله وفقك إلى كل خيرٍ وسددك في سمعك وبصرك وفي كل شؤونك، إذا تولاك الله تعالى هداك إلى الحق وثبتك عليه ونجّاك من الفتن والمضلات، وإذا تولاك الله تعالى في الآخِرَةِ فُزت بالجنان ونجوت من النيران.

قال: *وأن يجعلك مباركاً أينما كنت* وهذه دعوة عظيمة من المصنف رحمه الله لقارئ الرسالة يدعو لك بالبركة، والبركة هي كثرة الخير وزيادته ونماؤه ودوامه وثبوته، فدعا لك المصنف بأن تكون مباركاً.

قال: *وأن يجعلك مباركاً* أي أن يجعلك الله مباركا في مالك وأهلك وعملك وفي ذريتك، وكذلك وأن يجعلك مباركاً أي مباركاً في سمعك أي لا تسمع إلا خيراً، وأن يجعلك مباركاً في بصرك أي لا ترى إلا خيراً، ويجعلك مباركاً في لسانك أي لا تتكلم إلاّ خيراً، وهكذا سائر أعضائك.

قال: *أينما كنت* أي أينما حللت ونزلت، فإذا كنت في بيتك كنت مباركاً فالخير يلازمك، وهكذا في عملك وفي سوقك وفي طريقك، فالخير يلازمك أينما كنت.

قال: *وأن يجعلك ممن إذا أعطي شكر. وإذا ابتلي صبر. وإذا أذنب استغفر فان هؤلاء الثلاث عنوان السعادة*

لا زال المصنف رحمه الله يدعو لك أيها القارئ لهذه الرسالة العظيمة، فالمصنف رحمه الله يدعو الله أن يجعلك من صنف مَن إذا أعطى شكر، لا من صنف من إذا أعطي كفر وجحد. لا. وإنما من الصنف الأول الذي إذا أعطي شكر، فشكر النعم سببٌ لزيادة النعم ولدوام النعم، يقول الله تعالى: (لئن شكرتم لأزيدنكم.)

فشكر النعم بثلاثة أمور:

أولاً: الاعتراف بالنعمة بالقلب أنها من الله تعالى.

ثانياً: الشكر باللّسان.

ثالثاً العمل بالجوارح.

قال تعالى: (اعملوا آل داوود شكرا) الجوارح من نعم الله تعالى علينا فاجعل هذه الجارحة وتلك الجارحة في طاعة الله، المال نعمة فاجعل المال في طاعة الله، الصحة نعمة فاجعلها في طاعة الله وهكذا سخر هذه النعم واستعملها في طاعة الله.

قال: *وإذا ابتلي صبر* هذه أيضاً دعوة عظيمة من المصنف رحمه الله.

دعا لك بأن يجعل لك ربنا جل وعلا من الصابرين، إذا ابتُليت جعلك الله من الصابرين، فالله مع الصابرين، ويحب الصابرين، وكلٌّ يُبتلى على قدر دينه، إن كان دينك قوياً اشتد بلاؤك، وإن كان دينك رقيقاً وضعيفاً هوّن الله عز وجل عليك البلاء.

(أشدّ الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل) وعِظَم الجزاء على قدر عظم البلاء، كما قال ﷺ: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإذا أحب الله قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط)، وقال أيضاً ﷺ: (إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة).

قال: *وإذا أعطي شكر. وإذا ابتلي صبر* فالشكر والصبر لا يكونان إلا للمؤمن، فيفوز المؤمن بثواب الشاكرين وينال أجر الصابرين، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً وإن أصابته الضراء صبر فكان خيراً له).

قال: *وإذا أذنب استغفر* وهذه أيضاً دعوة عظيمة من المصنف، دعا الله عز وجل أن يوفقك إلى التوبة، إذا وقعت في معصية فالعبد المؤمن يكون أوّاب، أي رجّاع إلى الله بالتوبة والاستغفار؛ لا يقنط ولا ييأس من رحمة الله يعلم أن له رباً يغفر الذنوب جميعاً، فمهما بلغت ذنوبك وكثرت ولو بلغت عنان السماء يعلم أن له ربا يغفر الذنوب كلها، فكل بني آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون، كما بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يتوب في اليوم مئة مرة، وكان يستغفر ويتوب إلى الله أكثر من سبعين مرة.

قال: *فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة* أي إذا أردت أن تكون من السعداء في الدارين فكن من أصحاب هذه الأصناف الثلاثة، من الذين يشكرون إذا أنعم الله عليهم بالنعم، ويصبرون إذا ابتلاهم الله تعالى، ويستغفرون إذا وقعوا في الذنب.

بارك الله فيكم، وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم.

 

جزى الله شيخنا خير الجزاء. على ما قدم ونفعنا بما سمعنا وجعله في ميزان حسناته. ونسأل الله عز وجل أن يوفق الجميع. وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تم بحمد الله تفريغ الدرس الأول

🌙      26 ربيع الآخر 1442 الموافق

2020/12/11  ولا تنسونا من صالح دائكم