بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيسر إخوانكم في مدينة الجديدة بالمملكة المغربية.
أن يستقبلوا هذا الاتصال ضمن سلسلة الاتصالات الهاتفية والتي يكون ضيفها في هذه الليلة فضيلة الشيخ أبي سعيد يعقوب البنا حفظه الله من دولة الإمارات العربية المتحدة حرسها الله وسائر بلاد المسلمين.
والآن مع الدرس الثاني لشرح متن القواعد الأربع للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
قال المصنف رحمه الله: * اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله وحده مخلصاً له الدين وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها كما قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فإذا عرفت أن الله خلقك لعبادته، فاعلم أن العبادة لا تسمى عبادةً إلا مع التوحيد، كما أن الصلاة لا تسمى صلاةً إلا مع الطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت كالحدث إذا دخل في الطهارة، كما قال تعالى: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون)، فإذا عرفت أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك لعل الله أن يخلصك من هذه الشبكة وهي الشرك بالله، وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله تعالى في كتابه.
التعليق:
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله على نبينا وعلى اله وصحبه وسلم، أما بعد:
قال المصنف رحمه الله: *اعلم أرشدك الله لطاعته * قوله اعلم هذه الكلمة يؤتى بها للأمور الكبار، وقد تكررت هذه الكلمة في القرآن الكريم للتنبيه على الأمور العظام كالتوحيد كما في قوله جل وعلا (فاعلم أنه لا إله الا الله)، وهذه الكلمة أيضاً يؤتى بها لجذب انتباه السامع وحضور قلبه لما سيُلقى عليه من الأمور العظام والكبار.
قال: *أرشدك الله لطاعته* وهذا دعاءٌ آخر من المصنف رحمه الله لقارئ الرسالة.
قال: *أرشدك الله لطاعته* أي دلك الله عز وجل إلى طاعته ووفقك للعمل بها، فالراشدون هم العالمون بالطاعات العاملون بها والمحافظون عليها.
قال: *اعلم ارشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله وحده مخلص له الدين*.
قال: *أن الحنيفية ملة إبراهيم* إذاً ما هي الحنيفية؟
الجواب: هي ملة إبراهيم.
وما هي ملة إبراهيم؟
الجواب: أن تعبد الله وحده مخلصاً له الدين.
إذاً الحنيفية أن تعبد الله وحده مخلصاً له الدين، وهذه الكلمة الحنيفية مأخوذة من الحنف، وأصل هذه الكلمة في اللغة الميل، والمراد هنا الميل والعُدول عن الشرك إلى التوحيد، فالحنيف هو المائل عن الشرك إلى التوحيد.
إذاً الحنيفية هي الميل عن الشرك إلى التوحيد والاستقامة عليه، والحنيف هو المقبل على الله بقلبه وجوارحه ونفسه، المقبل على الله دون سواه لا يتجه قلبه إلا إليه سبحانه وتعالى المعرض عما سواه وأُمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع ملة أبيه إبراهيم، كما قال الله عز وجل: (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين)
الحنيفية أن تعبد الله، هل نكتفي بهذا؟
الجواب؟ لا، لابد من الكلمة الثانية، قال وحده مخلصاً له الدين، إذاً لا بد من الأمرين.
لا يستقيم أن تقول الحنيفية هي أن تعبد الله وتسكت، لابدّ من الإثبات والنفي.
الإثبات أن تعبد الله، والنفي مخلصا له الدين.
والإثبات والنفي ركنا لا إله الا الله، إثبات العبادة لله جل وعلا ونفي العبادة عما سواه. فقول لا إله نفي العبادة عما سواه إلا الله إثبات العبادة لله عز وجل، كما في قوله تعالى: (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براءٌ مما تعبدون إلا الذي فطرني) إنني براءٌ مما تعبدون هذا نفي، إلا الذي فطرني هذا إثبات، وكذلك قوله تعالى: (فإنهم عدوٌ لي إلاّ ربّ العالمين) إلاّ ربّ العالمين هذا إثبات، وكذلك قوله تعالى: (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله) فمن يكفر بالطاغوت هذا نفي ويؤمن بالله هذا اثبات والآيات في ذلك كثيرة.
(لا إله) يوافق ويقابل مخلصاً له الدين، (إلاّ الله) يوافق ويقابل أن تعبد الله.
هذا هو معنى الحنيفية أن تعبد الله عز وجل وحده مخلصاً له الدين بهذا يكون المسلم حنيفاً بالإثبات والنفي، لابد أن تعبد الله وحده مخلصاً له الدين، أي مخلصاً له العمل،
والإخلاص: هو تنقية العمل وتصفيته من شائبة الشرك، بأن يكون العمل صافيا نقيا ليس فيه شيء من الشرك، ولهذا قال الله عز وجل (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء)، وقال تعالى: (بل الله فاعبد وكن من الشاكرين)، وقال تعالى: (ألا لله الدين الخالص).
ثم قال المصنف رحمه الله بعد ذلك: * وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها* كما قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، أي أنه جل وعلا أمرهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، خلقهم لهذه الغاية العظيمة كما قال (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، أي أنه جل وعلا خلقهم لعبادته وتوحيده.
(لاّ ليعبدون): أي إلا ليوحدوني ويفردوني بالعبادة.
قال: *فإذا عرفت أن الله خلقك لعبادته*، أي إذا علمت أن الله تعالى لم يخلقك للأكل ولا للشرب ولا للنوم ولا للنكاح ولا للعب وإنما خلقك لأمرٍ واحد ألا وهو عبادته.
قال: *فاعلم أن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد*، أي أن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع الإخلاص، أي إفراد الله جل وعلا بالعبادة وعدم صرف العبادة لغيره كائناً من كان، لا لملكٍ مقرب ولا لنبيٍ مرسل ولا لوليٍ صالح، العبادة الصحيحة المقبولة أن تعبد الله وحده مخلصاً له الدين هذا هو الذي رضيه الله تعالى لنا.
يقبل الله عز وجل العبادة المبنية على التوحيد، أي على الإخلاص، لا يقبل منا الشرك كما قال الله تعالى: (ولا يرضى لعباده الكفر)، أي لا يقبل أي عبادة دخل فيها الشرك، لا يرضى منا أن نصرف العبادة لغيره ولا أن نعبد معه الهاً آخر، فلا تسمى العبادة عبادةً إلا مع التوحيد والإخلاص، كما أن الصلاة لا تسمى صلاةً إلا مع الطهارة.
إذاً العبادة لا تسمى عبادة إلاّ مع التوحيد، وهذا من فقه المصنف رحمه الله ومن حسن تعليمه يقرب المعنى للأفهام بضرب الأمثلة، ويشبه الشيء بالشيء المحسوس، يعني يشبه الشيء بالشيء الذي تأتي به في كل يوم خمس مرات، فشبه التوحيد والعبادة بالطهارة والصلاة فلا تكون العبادة عبادةً إلاّ مع التوحيد، كما أن الصلاة لا تصح ولا تقبل إلا مع الطهارة، فلو صليت الصلوات الخمس أو أي صلاة من غير طهارة فإن الله عز وجل لا يقبل منك، يقول النبي ﷺ (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، وكذلك لو أتيت بالأعمال من غير إخلاص ولا توحيد فلن يقبل الله منك عملاً.
يقول: *فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت كالحدث إذا دخل في الطهارة* الحدث إذا دخل في الطهارة انتقضت الطهارة، وكذلك الشرك إذا دخل في العبادة فإنه يفسد العبادة، وما هو الشيء الذي يهدم التوحيد وينقضه؟
الجواب: الشرك، الشرك إذا دخل في أي عبادة من العبادات أفسدها، ولا يقبل الله عز وجل هذه العبادة التي دخلها الشرك، كما أن الحدث إذا دخل في الطهارة أفسدها وأنقضها، كذلك الشرك إذا دخل في العباد أفسدها وأبطلها، أرأيتم لو وُضِع السُم في الطعام، هل يصلح الطعام أم يَفسُد؟
الجواب: الثاني، يفسد ولا يصلح هذا الطعام للأكل.
قال: *فإذا عرفت أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار*؛ لأن الشرك محبطٌ للعمل، ومن أشرك أحبط الله عز وجل عمله وصار مأواه النار خالداً فيها.
فالشرك محبطٌ للأعمال قال الله عز وجل: (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون)، فلا يقبل الله عز وجل عملاً مع الشرك من أي أحد كائناً من كان ولو كان من الأنبياء والرسل، حاش وكلا أن يقع منهم هذا الشيء، لكن لو وقع منهم لأحبط الله عز وجل أعمالهم، قال الله تعالى: (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون)، وقال تعالى: (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين)، فالشرك يحبط العمل، ولا يقبل الله عز وجل يوم القيامة عملاً فيه شرك.
الكفار والمشركون جاءوا بالأعمال الصالحة، كانوا يصلون وكانوا يحجون ويصومون ويتصدقون، لكنهم أشركوا مع الله، فجعل ربنا جل وعلا هذه الأعمال هباءً منثورا.
فأصبحت أعمالهم فاسدة؛ لأنهم أشركوا بالله بصرف العبادة لغيره سبحانه وتعالى، قال ربنا جل وعلا: (وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثورا)، إذا فسد العمل بالشرك حُبط العمل، وصار صاحب هذا العمل الفاسد من الخالدين في النار، أي لا يخرج من النار أبداً، يقول الله عز وجل: (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار)، ويقول النبي ﷺ (من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة. ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار).
قال المصنف رحمه الله: *فإذا عرفت أن الشرك إذا خالط العبادة وأفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار عرفت قال عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك*؛ لأن الشرك من أعظم المحرمات وأول النواهي، فأول نهيٍ في كتاب الله هو النهي عن الشرك وذلك في قوله تعالى: (فلا تجعلوا لله انداداً وأنتم تعلمون)، والنبي ﷺ بيّن أن الشرك هو أكبر الكبائر، كما قال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر كررها ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول، قال: (الشرك بالله)، فبدأ بالشرك؛ لأنه أعظم المحرمات.
وقال أيضاً اجتنبوا السبع الموبقات قالوا وما هن يا رسول الله، فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالشرك بالله ثم ذكر بقية الموبقات.
قال: *عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك*، أي معرفة الشرك حتى تجتنبه وتحذر منه. قال الناظم: عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيفه ومن لم يعرف الشر من الخير يقع فيه
إذا جهلت الشر قد تقع فيه أي قد ترتكبه، وإذا جهلت الشرك قد تقع فيه، فإبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء وإمام الموحدين كان يخاف على نفسه من الشرك، يقول الله تعالى: (واجنبني وبني أن نعبد الاصنام).
قال: *عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك*، أي إذا عرفت أن هذا الأمر مهمٌ للغاية وهو الشرك، أي أنه مفسدٌ ومحبطٌ للعمل ويُخَلّد صاحبه في النار وفقك الله للخلاص منه.
قال المصنف: *لعل الله أن يخلصك من هذه الشبكة*، أي إذا عرفت خطورة الشرك وفقك الله لاجتنابه والخلاص منه، فتنجو وتتخلص من هذه الشبكة تنجو من الشرك، الشرك شبكة.
سمى المصنف رحمه الله الشرك شبكة؛ لأن الشبكة لها خيوط كثيرة وهي متفرعة ومتشعبة ممتدة بخيوطها هنا وهناك في جميع الأطراف، وكذلك الشرك فإنه متشعب ومتعدد وله فروع كثيرة وأبواب عديدة:
الشرك الأصغر، الشرك الخفي، الشرك الأكبر، الدعاء من دون الله هذا من الشرك، والاستعانة بغير الله من الشرك، والاستغاثة بغير الله من الشرك، والطيرة من الشرك، والرياء من الشرك، والرُقى والتمائم والتِولة من الشرك، ولبس الحلق والخيوط من الشرك، والودع من الشرك، والحلف بغير الله من الشرك، فالحذر الحذر من الشرك كله صغيره وكبيره دقيقِه وجليلِه عظيمِه ويسِيره.
قال: *لعل الله أن يخلصك من هذه الشبكة*، وهي الشرك بالله الذي قال الله تعالى فيه: (إن الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
*وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله تعالى في كتابه*، قال ربنا جل وعلا في الشرك: (إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)، أي إذا خلصك الله عز وجل من هذا الشرك، وأتيت يوم القيامة وقد أثقلتك سيئاتك، فاعلم أنك تحت المشيئة، أي تحت مشيئة الله، أي إن شاء الله غفر لك وإن شاء عذبك بقدر ذنوبك، لكن المآل إلى الجنة، من كان من أهل التوحيد فمآله الى الجنة.
أما أن تأتي يوم القيامة بالشرك، فإن الله لا يغفر هذا الذنب العظيم، يقول: الله عز وجل: (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم)، فالمشرك لا يغفر الله له يوم القيامة.
أما في الدنيا نعم إذا تاب تاب الله عليه، يقول الله تعالى: (قل للذين كفرو إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف)، ويقول أيضاً (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم).
قال: *وذلك بمعرفة أربع قواعد*، أي إذا أردت أن تحذر من الشرك فعليك معرفة هذه القواعد الأربع.
ثم قال: *ذكرها الله تعالى في كتابه*، أي أن هذه القواعد الأربع مأخوذةٌ ومستنبطةٌ من كتاب الله، لم يأت بها المصنف من عند نفسه؟ لا، وإنما استقرأ كتاب الله، وتتبع النصوص فاستنبط منها هذه القواعد.
والإنسان دائماً يطمئن إذا سمع قال الله وقال رسوله ﷺ يطمئن قلبه وينشرح صدره، والإنسان دائماً يقتنع ويقبل الكلام المُدَعَّم بالأدلة لا سيما إذا كان الدليل من كتاب الله ومن سنة النبي ﷺ، أما الكلام المجرد عن النصوص الشرعية فإنه حريٌ أن يُرد ولا يُقبل، العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة.
فالمصنف رحمه الله دعم هذه القواعد بالأدلة، أي بالنصوص القرآنية، وهذه المقدمة مقدمة عظيمة جدّاً لهذه القواعد الأربع.
بارك الله فيكم وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم.
أحسن الله اليكم شيخنا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تم بحمد الله تفريغ الدرس الثاني لشرح القواعد الأربع، ولا تنسونا من صالح دعائكم
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ يعقوب البنا - حفظه الله
ﺑﺮﻣﺠﺔ: ﻓﺎﺋﻖ ﻧﺴﻴﻢ