إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون إذ أصابهم مطر فأووا إلى الغار فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقال بعضهم لبعض: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعو الله بصالح أعمالكم، فقال الأول: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكانت لي صبية صغار أرعى عليهم وكنت أروح فحلبت وكنت أبدأ بوالدي أسقيهما قبل ولدي فنأى بي الشجر أي في يوم من الأيام تأخرت قال فأتيت بعد ما أمسيت فوجدتهما قد ناما فحلفت كما كنت أحلب فأتيت بالحلاب فقمت على رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما قال والصبية يتضاغون عند قدمي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر أي لم أزل واقفاً على رؤوسهما أحمل الحلاب والصبية يتضاغون عند قدمي أي يصيحون من الجوع فقدم والديه على الصبية فقال اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا منها فرجة نرى منها السماء فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج.
عباد الله بر الوالدين من الأعمال العظيمة التي يحبها الله تعالى، فقد سأل ابن مسعود النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين (أي أعمال أحب إلى الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الصلاة لوقتها، قال: ثم أي، قال: بر الوالدين، قال: ثم أي، قال: الجهاد في سبيل الله)، فبر الوالدين أفصل من جهاد في سبيل الله فحقهما عظيم، وقد قرن الله عز وجل حقهما بحقه في الآيات كثيرة، وهذا يدل على عظمة حقهما.
وقال الآخر: اللهم كان لي ابنة عم وكانت أحب الناس إلي فأردتها عن نفسها أي أراد منها الفاحشة والعياذ بالله، قال فامتنعت امتنعت عن الفاحشة حتى ألمت بها سنة من السنين، فجاءتني أي لما وقعت في الحاجة والضيق جاءت إلى ابن عمها تطلب، قال: فأعطيتها مئة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت، قال: حتى إذا قدرت عليها ووقعت بين رجليها، قالت له: يا عبد الله اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركتها وتركت الذهب الذي أعطيتها اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج؛ عباد الله العفة من الأعمال الجليلة والخشية من الله تعالى من أعظم الأعمال إلى الله تعالى.
وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أد إلي أجري، فقال: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي، فقال: إني لا أستهزئ بك فأخذه كله فاستاقه ولم يترك منه شيئا، فهذا الرجل كان أميناً على أجرِ هذا الأجير، فثمر أجره لما جاءه أعطاه أجره ولم يأخذ من أجره شيئا، قال: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون.
عبادة الله هؤلاء الثلاث أتوا بالأعمال العظيمة ودعوا رب العالمين بأن ينجيهم من هذه الصخرة فأنجاهم الله عز وجل بصالح أعمالهم من هذه الصخرة فخرجوا من الغار يمشون أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فنستفيد من قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت في هذا الغار.
أولاً: عباد الله تحري الإخلاص في سائر الأعمال التي يأتي بها العبد لرب العالمين.
وأيضا الصدق أولاً: الصدق مع الله، ومع النبي صلى الله عليه وسلم، ومع النفس، ومع الناس كافة.
وأيضا اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى في المحن والملمات كما فعل هؤلاء الثلاث.
وأيضا عباد الله فضل بر الوالدين وفضل العفة والخشية من الله تعالى وفضل الصدق والأمانة وحسن التعامل مع الناس.
عبادة الله على العبد أن يتقي الله تعالى أولاً بتحقق التوحيد، وأيضا باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وبفعل الفرائض لاسيما الصلوات الخمس وأن يأتي العبد بكل ما فرض الله عز وجل عليه، وأن يبتعد عن كل ما حرم الله عز وجل عليه، وبعد الفرائض على العبد أن يكثر من النوافل والمستحبات كقيام الليل وصلاة الضحى والإكثار من ذكر الله عز وجل، وعليه أن يحافظ على أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم هكذا يستزيد ويتقرب إلى الله عز وجل حتى يكون يوم القيامة من الفائزين والناجين من النيران ونسأله سبحانه وتعالى ذلك.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا الشيخ خليفة ونائبه وولي عهده والشيخ الدكتور سلطان القاسمي وسائر حكام الإمارات، وارحم الشيخ زايد والشيخ مكتوم وإخوانهما شيوخ الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمتك، اللهم احفظ الإمارات من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأدم عليها وعلى سائر بلاد الإسلام الأمن والأمان يا رب العالمين، اللهم نسألك الفردوس الأعلى ونعوذ بك من النار ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم.
4 ربيع الأول 1441 ه الموافق 1/11/2019
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ يعقوب البنا - حفظه الله
ﺑﺮﻣﺠﺔ: ﻓﺎﺋﻖ ﻧﺴﻴﻢ