إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار أما بعد: فمن الحقوق العظيمة التي ذكرها الله تعالى في كتابه حق القرابة والأرحام، فقد ذكر الله عز وجل في آية النساء عشرة حقوق، فبدأ بحقه جل وعلا؛ لأن حق الله عز وجل عظيم من أعظم الحقوق، ثم ثنى بحق الوالدين، ثم ذكر حق الأقرباء والأرحام، يقول الله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى)، عباد الله خلق الله تعالى الرحم وشق لها اسما من اسمه وهي معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله، ونبينا صلى الله عليه وسلم حثنا على صلة الأرحام في أحاديث كثيرة، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه )، وأيضا قال صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه)، وأيضا قال صلى الله عليه وسلم: (وإن أعجل البر ثوابا لصلة الرحم حتى إن أهل البيت ليكونون فجرة فتنمو أموالهم ويكثر عددهم إذا تواصلوا)، وزاد ابن حبان (ما من أهل بيت يتواصلون فيحتاجون)، فلهذا صلة الأرحام من أفضل الأعمال عند الله عز وجل بعد الإيمان به جل وعلا، والنبي صلى الله عليه وسلم أوصانا بصلة الأرحام فقال: (اتقوا الله وصلوا أرحامكم)، وهو أيضا في مرض موته يوصي بالأرحام فيقول: (أرحامكم أرحامكم).
عباد الله من صور صلة الأرحام الزيارة والتواصل ولو بالسلام يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بلوا أرحامكم ولو بالسلام)، أيضا من صور صلة الأرحام الإنفاق على من يحتاج من ذي الرحم؛ عباد الله من تصدق على ذي رحمه فله أجران أجر الصدقة وأجر القرابة والرحم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصدقة على المسكين صدقه وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة)، ويقول أيضا صلى الله عليه وسلم في حق زينب الثقفية زوجة ابن مسعود رضي الله عنه: (لها أجران أجر القرابة وأجر الصدقة)، واعلموا عباد الله إن أفضل الصدقات الصدقة على ذي الرحم الكاشح، أي الذي يضمر لك العداوة في باطنه مع ذلك أنت تتصدق عليه، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة لما قسم أمواله بيرحاء في أقاربه وبني عمه بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح؛ عباد الله اعلموا أن الواصل يصل من قطعه، أما الذي يصل من وصله هذا هو المكافئ ثبت عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عليهم ويجهلون علي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل)، والمل هو الرماد الحار، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك)؛ عباد الله صلوا أرحامكم ولو بالسلام أقول قولي هذا واستغفروا الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: عليكم عباد الله بصلة الأرحام، واحذروا من القطيعة فلا يدخل الجنة قاطع رحم، كما بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم، وأعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم عباد الله، أيضا الحذر من التقصير بمساعدة قريب وأنت عندك فضل من مال، احذروا ذلك عباد الله فمن صنع ذلك أخرج الله له يوم القيامة حية كما بين النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله فضلا أعطاه الله إياه فيبخل عليه إلا أخرج الله له يوم القيامة من جهنم حية يقال لها شجاع يتلمظ فيطوق به)، والتلمظ إخراج اللسان، ومسح اللسان على الشفتين؛ عباد الله عليكم بصلة الأرحام، والحذر غاية الحذر من قطيعة الأرحام فنسأله سبحانه وتعالى أن يوفقنا الى صلة الارحام اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا الشيخ خليفة ونائبه وولي عهده والشيخ الدكتور سلطان القاسمي وسائر حكام الإمارات، وارحم الشيخ زايد والشيخ مكتوم وإخوانهما شيوخ الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمتك، اللهم احفظ الإمارات من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأدم عليها وعلى سائر بلاد الإسلام والأمن والأمان يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى ونعوذ بك من النار ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم.
15 ذو الحجة 1440 ه الموافق 16/08/2019
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ يعقوب البنا - حفظه الله
ﺑﺮﻣﺠﺔ: ﻓﺎﺋﻖ ﻧﺴﻴﻢ