إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار أما بعد: فقد حث الإسلام على تقوية العلاقة بين المسلم وأخيه المسلم يقول الله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة)، ويقول النبي صلى الله وسلم: (وكونوا عباد الله إخوانا)، وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم هذه العلاقة بالبنيان المتماسك وبالجسد الواحد، فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه أن صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)، وشبك النبي صلى الله عليه وسلم بين أصابعه، وفي الصحيحين من حديث النعمان رضي الله عنه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، فإذا أدى المسلم حق أخيه المسلم تقوى هذه العلاقة وتزداد المحبة بينهما.
واعلموا عباد الله أن مما يقوي المحبة الإيمانية ويعزز الرابط الأخوية أن يقف المسلم بجانب أخيه المسلم في محنته ضائقته وشدته هذا هو الصديق الحميم، هذا هو الصاحب عند الضيق من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، والجزاء عباد الله من جنس العمل كما بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب الآخرة، قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحب إلى الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن اعتكف في هذا المسجد شهرا يعني في مسجد المدينة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام.
اعلموا عباد الله إن من أعظم ما يقطع هذه الأواصر الظلم أن يظلم الأخ أخاه والصاحب صاحبه (المسلم أخو المسلم) كما بَيَّنَ النبي الله عليه وسلم، ثم قال لا يظلمه فالظلم ظلمات يوم القيامة، الظلم حرمه الله عز وجل على نفسه وجعله بيننا محرما، لا يجوز لأحد أن يظلم أخاه المسلم بأن يعتدي على شيء من حقوقه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)، ففي أعظم اجتماع وأكبر موقف حينما خطب الناس خطبة الوداع يوم عرفة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا)، أيضا مما يقطع هذه الأواصر عباد الله أن يحقر المسلم أخاه المسلم أن يحقر الصاحب صاحبه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقر التقوى ها هنا ويشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره ثلاث مرات ثم يقول بحسب امرئ من الشر إن يحقر أخاه المسلم)، عباد الله لابد للمسلم أن يبتعد عن الأخلاق السيئة والصفات الذميمة، فهذه الأمور هي التي تقطع الأواصر بين الإخوة وبين الصاحب وصاحبه، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن هذه الصفات الذم فقال: (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض)؛ اعلموا عباد الله إن الشيطان حريص على أن يزرع العداوة والكراهية بين الإخوة وبين صاحب وصاحبه، فاحذروا من كيد الشيطان أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: فالمسلم عباد الله يصاحب الأخيار والصادقين والمتقين يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي)، هكذا ابتعدوا عباد الله عن الأشرار وعن رفقاء السوء، فالمرء على دين خليله كما بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم (فلينظر أحدكم من يخالل)، قل لي من تصاحب أقول لك من أنت، عن المرء لا تسأل واسأل عن قرينه فكل قرين بمن يقارن يقتدي؛ عباد الله شبه النبي صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح والجليس السوء بحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك أي إما إن يعطيك أو تبتاع منه أي تشتري منه أو تجد منه ريحا طيبا أي على كل الأحوال أنت على خير، أما نافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد ريحا خبيثة يعني في كل الأحوال أنت على سوء، فاحذروا عباد الله الأشرار ورفقاء السوء، فهذه الصداقات تنقلب يوم القيامة إلى عداوات يقول الله تعالى: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) يندم فلان يوم القيامة لأنه صاحب فلان أغواه وأوقعه فيما حرم الله يقول الله تعالى ( يوم يعد الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتاه ليتني لم اتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً)، عباد الله كونوا مع الصادقين كونوا مع المتقين كونوا مع الأخيار، وابتعدوا عن الأشرار والفجار وغيرهم من رفقاء السوء اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا الشيخ خليفة ونائبه وولي عهده والشيخ الدكتور سلطان القاسمي وسائر حكام الإمارات، وارحم الشيخ زايد والشيخ مكتوم وإخوانهما شيوخ الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمتك، اللهم احفظ الإمارات من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأدم عليها وعلى سائر بلاد الإسلام والأمن والأمان يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى ونعوذ بك من النار ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم.
9 ربيع الأخر 1441 ه الموافق 12/6/2019
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ يعقوب البنا - حفظه الله
ﺑﺮﻣﺠﺔ: ﻓﺎﺋﻖ ﻧﺴﻴﻢ