والذين يبيتون لربهم سجد وقياما

• June 18, 2020

• 632
• 
• 
• 
• 
• 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار أما بعد:

فمن صفات عباد الرحمن أنهم يحيون ليلهم بالقيام والسجود كما قال الله تعالى عنهم: (والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً)، وأيضاً مما وصف الله تعالى عباده المتقين الذين استحقوا الجنات والعيون أنهم (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون)، أي كانوا قليلًا من الليل ما ينامون؛ لأجل قيامهم بين يدي الله عز وجل.

عباد الله اعلموا أن أفضل الصلاة بعد الصلوات الخمس صلاة الليل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذى رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)، وإذا كانت هذه الصلاة في آخر الليل فإنها مشهودة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم من حديث جابر: (فإن صلاة آخر الليل مشهودة)، أي تشهدها ملائكة الرحمة، فلهذا النبي صلى الله عليه وسلم حثنا على هذه الصلاة، وهذه الصلاة تقربنا إلى ربنا، وهذه الصلاة يكفر لله عز وجل بها سيئاتنا، وهذه الصلاة تعين العبد على أن ينتهي عن الآثام والخطايا يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما روى الترمذي من حديث أبي أمامة رضي الله عنه: (عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وهو قربة إلى ربكم ومكفرة للسيئات ومنهاة للإثم)، قيام الليل عباد الله سبب عظيم من أسباب دخول العبد الجنان يقول الله تعالى: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم كما روى الترمذي من حديث عبدالله بن سلام رضي: (يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام)، عباد الله من أتى بهذه الأعمال العظيمة أعد الله عز وجل له غرفاً في الجنة يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، عباد الله لو قام العبد بآيات قليلة كعشر آيات لم يكن من صنف الغافلين يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمئة آية كُتب قانتين، ومن قام بألف آية كُتب من المقنطرين) قيام الليل شرف للمؤمن كما قال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم إن شرف المؤمن قيام الليل).

عباد الله المؤمن يجد لذة عندما يناجي ربه في ظلمة الليل؛ لما يقف بين يدي الله عز وجل ويتلو كتابه يجد لذة عظيمة في هذه العبادة العظيمة يقول سليمان الداراني رحمه الله: (أهل الليل في ليلهم أشد لذة من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا)، ويقول الفضيل (إذا غربت الشمس فرحت بالظلام لخلوتي بربي، وإذا طلعت الشمس حزنت لدخول الناس علي)، يقول ابن المنكدر رحمه الله: (ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث) وذكر رحمه الله قيام الليل، عباد الله اعلموا أن من أعظم أسباب حرمان العبد لهذه العبادة العظيمة ارتكابه للذنوب يقول الفضيل: (إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار، فاعلم إنك محروم قد كثرت خطاياك)، ويقول الحسن: (إن العبد ليحرم قيام الليل بذنب يقع منه)، ويقول سفيان الثوري رحمه الله: (حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب واحد، قيل ما هو؟ قال: رأيت رجلا يبكي، فقلت: هذا مراء) يعني نفاق، هكذا عباد الله من ارتكب الذنوب حرم هذه العبادة العظيمة، فنسأله سبحانه وتعالى أن يعيننا على هذه العبادة العظيمة وأن يجعلنا من القائمين بالليل سجدا قيامًا يا رب العالمين؛ أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:

فمن قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يستثقل العبد وقوفه خلف إمامه، بل يصبر حتى ينصرف لأجل أن يكتب له قيام ليلة، فإن من أطال القيام يهون عليه طول القيام يوم القيامة كما قال الاوزاعي عن حسان بن عطية؛ عباد الله لنا في النبي صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتورم قدماه، كما تقول عائشة والحديث في الصحيحين يعني حتى تنتفخ قدماه، تقول عائشة لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فيقول لها النبي صلى الله عليه وسلم أفلا أكون عبداً شكوراً، تصف عائشة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاً، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث جابر أي الصلاة أفضل، قال: (طول القنوت) أي طول القيام عباد الله اصبروا وصابروا على هذه العبادة العظيمة، نسأله سبحانه وتعالى أن يعيننا على سائر العبادات حتى نقوم رمضان إيمانا واحتسابا فيغفر لنا ما تقدم من ذنبنا؛ اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا الشيخ خليفة ونائبه وولي عهده والشيخ الدكتور سلطان القاسمي وسائر حكام الإمارات، وارحم الشيخ زايد والشيخ مكتوم وإخوانهما شيوخ الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمتك، اللهم احفظ الإمارات من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأدم عليها وعلى سائر بلاد الإسلام والأمن والأمان يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى ونعوذ بك من النار، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصلى الله على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم.

12 رمضان 1440 ه  الموافق 17/5/2019